ومن خبر فَتكه أن عُمَير بن الحُبَاب السُّلْمى كان ابن عمه، فَنَهضَ في الفتنة التي كانت بالشأم بين قَيْس وكَلْب بسبب الزُّبَيْرية والمَرْوانية، فلقى في بعض تلك المُغاورات خيلاً لبنى تغلب فقتلوه، فلما اجتمع الناسُ على عبد الملك بن مروان ووضَعَتْ تلك الحروبُ أوْزَارَها دخل الجَحَّاف على عبد الملك والأخطلُ عنده، فالتفَتَ إليه الأخطلُ فَقَال:
ألا سَائِلِ الجَحَّافَ هَلْ هُوَ ثائر ... لقَتْلَى أصِيبَتْ من سُلَيمٍ وَعَامِرِ
ثم قَال: يا ابن النصرانية ما ظننتك تجترىء علىَّ بمثل هذا، ولو كنت مأسورا، فحُمَّ الأخطلُ فَرَقاً من الجَحَّاف، فَقَال عبد الملك: لا تُرَعْ فإني جارُكَ منه، فَقَال الأخطل: يا أمير المؤمنين هَبْكَ تجيرني منه في اليقَظَة فكيف تجيرني في النوم؟ فنهض الجَحَّاف من عند عبد الملك يَسْحَبُ كساءه فَقَال عبد الملك: إن في قفاه لَغَدْرَةً، ومر ⦗٨٩⦘ الجَحَّاف لِطِيَّتِهِ وجمع قومَه وأتى الرُصَافه، ثم سار إلى بنى تغلب، فصادف في طريقة أربعَمَائة منهم، فقتلهم، ومضى إلى البِشْر - وهو ماء لبنى تغلب - فصادف عليه جمعاُ من تغلب فقتل منهم خمسمائة رجل، وتَعَدَّى الرجالَ إلى قتل النساء والولدان، فيقَال: إن عجوزاً نادته فَقَالت: حربك الله يا جحاف! أتقتلُ نساءً أعلاهن ثُدِىٌّ وأسفلُهن دُمِىٌّ، فانحزل ورجع، فبلغ الخبرُ الأخطلَ فدخل على عبد الملك وقَال:
لَقَدْ أوْقَعَ الجَحَّافُ بِالبِشْرِ وَقْعَةً ... إلي الله مِنْها المُشْتَكَى وَالمُعولُ
فأهدرَ عبدُ الملك دم الجحَّاف، فهربَ إلى الروم، فكان بها سبع سنين، ومات عبدُ الملك وقام الوليد ابن عبد الملك فاستؤمن للحجاف فأمنه فرجع