٢٨٥٠- قَدْ يَضْرَطُ العَيْرُ وَالمِكْوَاةُ في النَّارِ
أول من قَال ذلك عُرْفُطة بن عَرْفَجة الهَزَّاني، وكان سيد بنى هِزَّان، وكان حُصَين بن نبيت العُكْلى سيد بنى عُكْل، وكان كل واحد منهما يغير على صاحبه، فإذا أسرت بنو عكل من بنى هِزَّان أسيراً قتلوه، وإذا أسرت بنو هِزَّان منهم أسيراً فَدَوْه، فقدم راكب لبنى هِزَّان عليهم فرأى ما يصنعون، فقال لبنى هِزَّان: لم أر قوماً ذوى عَدَد وعُدَّة وجَلَد وثَرْوَة يلجئون إلى سيد لا ينقض بهم وتْراً، أرضيتم أن يَفْنَى قومُكم رغبةً في الدِّيةِ، والقومُ مثلكم تؤلمهم الجِرَاح، ويَعضُّهم السلاح؟ فكيف تقتلون ويسلمون؟ ووبخهم توبيخاً عنيفاً، وأعلمهم أن قوماً من بنى عُكْل خرجوا في طلب إبل لهم، فخرجوا إليهم فأصابوهم، فاستاقوا الإبل وأسَروهم، فلما قدموا محلتهم قَالوا: هل لكم في اللّقَاح، والأمة الرَّدَاح، والفَرَس الوَقَاح؟ قَالوا: لا، فضربوا أعناقهم، وبلغ عُكْلاً الخبرُ، فساروا يريدون الغارة على بنى هِزَّان ونذرت بهم بنو هِزَّان، فالتفوا فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى فَشَتْ فيهم الجراح،
وقتل رجل من بنى هِزَّان، وأسرَ رجلان من بنى عُكْلٍ وانهزمت عكل، وإن عرفطة قَال للأسيرين: أي كما أفضل لأقتله بصاحبنا؟ وعسى أن يفادى الآخَر، فجعل كل واحد منهما يخبر أن صاحبه أكرم منه، فأمر بقتلهما جميعاً، فقدِّم أحدُهما ليقتل، فجعل الآخَر يَضْرَطُ، فَقَال عرفطة: قد يضْرَطُ العيرُ والمكواة في النار، فأرسلها مَثَلاً.
يضرب للرجل يخاف الأمر فيجزع قبل وقوعه فيه.
وقَال أبو عبيد: إذا أعطى البخيل شيئاً مخافة ما هو أشد منه قَالوا: قد يَضْرَطُ العَيْرُ والمكواة في النار.
ويقَال: إن أول من قَاله مُسَافر بن أبى عمرو بن أمية، وذلك أنه كان يَهْوَى بنت عتبة، وكانت تهواه فَقَالت له: إن أهلي لا يزوجونني منك لأنك مُعَسِر، فلو قد وَفَدْتَ إلى بعض الملوك لعلك تصيب مالا فتتزوجني، فرحل إلى الحِيرَة وافداً على النعمان، فبينما هو مُقيم عندهُ إذ قَدِم عليه قادم من مكة، فسأله عن خبر أهل مكة بعده فأخبره بأشياء وكان فيها أن أبا سفيان تزوج هندا، فطُعنَ مسافر من الغم، فأمر النعمان أن يكوى، فأتاه الطبيب بمَكَاويه فجعلها في النار، ثم وضع مكواة منها عليه وعِلْجٌ ⦗٩٦⦘ من عُلُوج النعمان واقف، فلما رآه يُكْوَى ضَرِط، فَقَال مسافر: قد يَضْرَطُ العيرُ والمكواة في النار، ويقَال: إن الطبيب ضَرِطَ.