قالوا: إن العَيْر ههنا إنسان العين، سمي عيراً لنتوِّهِ، ومن هذا قولهم في المثل الآخر "جاء فلان قبل عَيْر وما جرى" يريدون به السرعة، أي قبل لحظة العين، قال تأبط شرا:
ونارٍ قد حَضَأتُ بُعَيْدَ وَهْنٍ ... بِدَارٍ ما أرَدْتُ بها مُقَامَا
قالوا: معنى قوله"كل من ضرب العير" أي كل من ضرب بجَفْنٍ على عين، وهذا قول الخليل بن أحمد في كتاب العين، وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة والأصمعي عن أبي عمرو بن العَلاَء أنه قال: ذهب مَنْ كان يُحْسِنُ تفسيرَهذا البيت، وقال قوم: العيرُ السيد، وعنى به ههنا كليب وائل، سماه عيرا لأن كل ما أشرف من عَظْم الرجل يسمى عَيْراً، فلما كان كليب أشرفَ قومِه سماه عَيْرا، وزعم آخرون ممن العيرُ عندهم السيدُ أن السيد إنما سمي عَيْرا على التشبيه، لأن العير قَيِّمُ الأتُنِ وقَريعُها، وقال آخرون: معنى قوله"زعموا أن كل من ضرب العير مُوَالٍ لنا" أن العربَ ضربت العيرَ في أمثالها من وجوه كثيرة، فقالوا "أقبل عير وما جرى" و "العير يضرط والمكواة في النار" و"كذب العير وإن كان برح" فيقول هذا الشاعر: إن العربَ كلها قد ضربت العيرَ مثلا، وكُلُّ من جنى عليكم من العرب ألزمتمونا ذَنْبَه، وقال بعضهم: إن هذا الشاعر عَنَى بقوله العير الوتد، سماه عيرا لنتوه مثل عير النصل، وهو الناتىء في وسطه، وذلك أن العرب كلها تضرب لبيوتها أوتاداً فيقول: كل من ضرب لبيته وَتِداً ألزمتمونا ذنبه، وقال بعضهم: العير جبل معروف، ومعنى قوله ضرب العير أي ضرب في عير وتد الخيمة، فيقول: كل من سكن ناحيةَ عيرٍ ألزمتمونا ما يجنيه عليكم، وجاء في الحديث أن عَيْراً يسير في آخر الزمان إلى موضع كذا ثم يسير أحُد بعده، فيُرَاعُ الناسُ فيقولون: سار أحدكم كما سار عير، وقال قوم: عنى بقوله كل من ضرب العير إيادا أي أنهم أصحاب حمير، وقال آخرون: بل عنى به المنذر بن ماء السماء لأن شمرا قتله يوم عين أباغ، وشمر حنفي من ربيعة فهو منهم، وقال آخرون: المعنى أن العرب تضرب الأخْبِية لأنفسها والمضاربَ لملوكها، والمضارب إنما ترتبط بالأوتاد، فيقول: إن كل من تُضرب له المضاربُ لنا خَوَل وعَبيد، قال أبو حاتم: قد أكثر الناسُ في هذا، وليس شيء منه بمُقْنع، وإنما أصل العَيْر العَيِّرُ والعائر، فأحوجه الشعر واضطره إلى أن قال العَيْر، والعَيْر والعَيَّر والعائر كلُّها هو ما ظَهَر على الحَوضْ من قذًى، فإذا أرادوا أن ينفوا عنه ما عارضه من القذى نَضَحوه بالماء ⦗٣٥٢⦘ فانتفت الأقذاء عنه إلى جُدْرَان الحوض وصَفَا الماء لشاربه، فالعربُ أصحاب حِياض، وهذا فعلُهم بها، فيقول هذا الشاعر: إن إخواننا من بكر بن وائل، زعموا أن كل من قَرَى في الحِياض ونَفَى الأقذاء عن مائها مَوَالٍ لنا وأن لنا الولاء عليهم.