٢٨٧٨- قَدْ قِيلَ ذَلِكَ إنْ حَقَاً وإنْ كَذِباً
قَالوا: إن أولَ من قَال ذلك النعمانُ بن المنذر اللَّخمىُّ للربيع بن زياد العبسي، وكان له صديقاً ونديماً، وإن عامراً مُلاَعِبَ الأسِنَّةِ وعَوف بن
ابن الأحوص وسُهَيلَ بن مالك ولبيدَ بن رَبيعةَ وشَمَّاساً الفَزَاري وقلابة الأسَدِى قَدِمُوا على النعمان، وخَلَّفُوا لَبِيداً يرعى إبلهم، وكان أحْدَثهم سِنّاً، وجعلوا يَغْدُونَ إلى النعمان ويرحون، فأكرمَهُم وأحْسَنَ نُزُلَهم، غيرَ أن الربيع كان أعظمَ عنده قَدْراً، فبَينما هم ذاتَ يوم عند النعمان إذ رجز بهم الربيعُ وعابَهُم وذكرهم بأقبح ما قَدَرَ عليه، فلما سمع القومُ ذلك انصرفوا إلى رِحَالهم، وكل إنسانٍ ⦗١٠٣⦘ منهم مُقْبِلٌ على بَثِّه، ورَوَّحَ لبيد الشَّوْل، فلما رأى أصحابه وما بهم من الكآبة سألهم: مالكم؟ فكتَمُوه، فقال لهم: والله لا أحفظُ لكم مَتَاعاً ولا أسْرَحُ لكم إبلاً أو ْتُخْبِرُونى بالذي كنتم فيه، وإنما كَتَمُوا عنه لأن أم لبيدٍ امرَأة من عَبْس، وكانت يتيمة في حَجْرِ الرَّبيع، فَقَالوا: خَالُكَ قد غَلَبَنَا على الملك وصَدَّ بوجهه عنا، فَقَال لبيد: هل فيكم مَنْ يكفيني وتُدْخِلُونني على النعمان معكم؟ فواللاَّتِ والْعُزَّى لأَدَعَنَّهُ لا ينظر إليه أبداً، فخلفوا في إبلهم قلابة الأسدى، وقَالوا لبيد: أوْعندك خير؟ قَال: سترون، قَالوا: نَبُلُوك في هذه البَقْلضة، لبَقْلَةٍ بين أيديهم دَقِيقَة الأغصان قليلة الأوراقَ لاصقة بالأرض تدعى التَّرَبَةُ صِفْهَا لنا واشْتُمْهاَ، فقال: هذه التربة التي لا تُذْكِى ناراً، ولا تؤهل داراً، ولا تَسُرُّ جاراً، عودها ضئيل، وفرعها كَليل، وخيرها قليل، شَرُّ البقول مَرْعى، وأقصرها فَرْعا، فَتَعْساً لها وجَدْعا، القَوابى أخا عبس، أردُه عنكم بتَعس، وأدعه من أمره في لَبْس، قَالوا: نُصْبِحُ فنرى رَأينَا، فَقَال لهم عامر: انظر هذا الغلام، فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشَيء، وإنما يتكلم بما جاء على لسانه، ويَهْذِى بما يَهْجِس في خاطره، وإن رأيتموه ساهراً فهو صاحبكم، فرمَقُوه، فرأوه قد رَكِبَ رَحْلا حتى أصبح، فخرج القومُ وهو معهم حتى دخلوا على النعمان وهو يتغدَّى والربيعُ يأكل معه، فَقَال لبيد: أبيتَ اللَّعن! أتأذن لي في الكلام؟ فأذن له، فأنشأ يقول:
يَارُبَّ هَيْجَا هيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَهُ ... أكُلَّ يَوْمٍ هامتي مُقَرَّعَهْ
نَحْنُ بَنُو أمِّ البَنِينَ الأرْبَعَةْ ... وَنَحْنُ خَيْرُ عامر بنِ صَعْصَعهْ
المُطْعِمُونَ الجَفْنَةَ المُدَعْدَعَهْ ... وَالضَّارِبُونَ الهَامَ تَحْتَ الخَيضَعَهْ
يا واهبَ الخَيْرِ الكَثِيرِ مِنْ سَعَهْ ... إليكَ جَاوَزْنَا بلاداً مَسْبَعَهْ
نُخْبر عَنْ هذَا خَبِيراً فَاْسمَعَهْ ... مَهْلاً أبيْتَ اللَّعْنَ لاَ تَأْكُلْ مَعَهْ
إنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ ... وَإنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا إصْبَعَهْ
يُدْخِلُها حَتَّى يُوارِى أشْجَعَهْ ... كأنَّهُ يَطْلُبُ شَيئاً أْطْمَعَهُ
ويروى "ضَيَّعَهْ" فلما سمع النعمانُ الشعرَ أفَّفَ، ورفع يَدَه من الطعام، وقَال للربيع: أكذاك أنت؟ قَال: لا، واللاتِ لقد كَذَبَ ابنُ الفاعلة، قَال النعمان: لقد خَبُثَ علىَّ طعامي، فغضب الربيع وقام وهو يقول: ⦗١٠٤⦘
لئن رَحَلْتُ رِكَابِى إنَّ لي سَعَةً ... مَا مِثْلُها سَعَةٌ عَرْضَاً وَلا طُولاَ
وَلَوْ جَمَعْتُ بنى لخمٍ بأسْرِهم ... مَا وَازَنُوا رِيشةً مِنْ ريشِ سَمْوِيلاَ
فَابْرقَ بأرضكَ يانعمانُ مُتَكِئاً ... مَعَ النَّطَاسِىِّ طَوْرَاً وَابنِ توفيلا
وقَال: لا أبرحُ أرضَكَ حتى تبعثَ إلىَّ مَنْ يفتشني فتعلم أن الغلام كاذب، فأجابه النعمان:
شَرِّدْ بِرَحْلِكَ عَنِّى حَيثُ شِئت وَلاَ ... تُكْثِرْ عَلَىَّ وَدَعْ عَنْكَ الأبَاطِيلاَ
فَقَدْ رٌميتَ بِداءٍ لسْتَ غاسِلَهُ ... مَا جَاوَزَ النِّيلَ يَوْماً أهْلُ إبليلاَ
قَدْ قيلَ ذلِكَ إن حَقّاً وإنْ كَذِباً ... فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ شَيء إذا قيلاَ
قوله "بنو أم البنين الأربعة" هم خمسة: مالك بن جعفر مُلاعب الأسنة، وطُفيل بن مالك أبو عامر بن الطفيل، وربيعة بن مالك، وعُبَيْدة بن مالك، ومُعَاوية بن مالك، وهم أشراف بنى عامر، فجعلهم أربعة لأجل القافية.
و"سمويل" أحَدُ أجداد الربيع، وهو في الأصل اسم طائر.
وأراد بالنطاسى روميا يُقَال له سرحون "وابن توفيل" رومى آخر كانا يُنَادمان النعمان.