١٣٦٦- أخْنَثُ مِنْ طُوَيْسٍ.
ويقال "أشْأَمُ من طُوَيْس".
الطاوسُ: طائر معروف، ويصغر على "طُوَيْس" بعد حذف الزيادات. وكان طويسٌ هذا من مُخَنَّثي المدينة، وكان يسمى طاوسا، فلما تخنث سمي بطويس، ويكنى بأبي عبد النعيم، وهو أول من غَنَّى في الإسلام بالمدينة، ونَقَر بالدُّفِّ المربع، وكان أخَذَ طرائقَ الغناء عن سبي فاس، وذلك أن عمر - رضي الله عنه - كان صَيَّرَ لهم في كل شهر يومين يستريحون فيهما من المهن، فكان طويس يَغْشَاهم حتى فهم طرائقهم، وكان مُؤفاً خليعا، يُضْحِك كل ثَكْلَى حَرَّى، فمن مَجَانَتِهِ أنه كان يقول: يا أهل المدينة، ما دُمْتُ بين أظهركم فتوقَّعوا خروج الدجال والدابة، وإن متُّ فأنتم آمِنون، فتدبروا ما أقول، إن أمي كانت تمشي بين نساء الأنصار بالنمائم، ثم ولدتني في الليلة التي مات فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفَطَمتني في اليوم الذي مات فيه أبو بكر، وبلغت الحُلَم في اليوم الذي قتل فيه عمر، وتزوجت في اليوم الذي قتل فيه عثمان، وولد لي في اليوم الذي قتل فيه علي، فَمَنْ مثلي؟ وكان يظهر للناس مافيه من الآفة غير محتشم منه، ويتحدث به، وقال فيه شعرا، وهو:
أنا أبو عَبْد النعيم ... أنا طاوسُ الجحيم
وأنا أشأم مَنْ دَبَّ ... على ظهر الْحَطيم
أنا حاء ثم لام ... ثم قاف حشو ميم
عني بقوله "حشو ميم" الياءَ، لأنك إذا قلت ميم فقد وقعت بين ميمين ياء، يريد أنا حلقي.
ولما خصي طويس مع سائر المخنثين قال: ما هذا إلا ختان أعِيدَ علينا، وكان السبب في خصائهم أنهم كَثُروا بالمدينة فأفسدوا النساء على الرجال، وزعم بعضُهم أن سليمان بن عبد الملك كان مفرط الغَيْرة، وأن جارية له حَضَرته ذاتَ ليلةٍ قمراء وعليها حلي منعصفر، فسمع في الليل سميرا الأبليَّ يغني هذه الأبيات:
وغادةٍ سَمِعَتْ صوتي فأرَّقَهَا ... من آخر الليل لما مَلَّهَا السَّهَرُ
تُدْنِي على فخذيها من مُعَصْفَرَةٍ ... والحلْيُ دانٍ على لَبَّاتِهَا خضر
لم يحجب الصَّوْتَ أحْرَاسٌ ولا غَلَق ... فدَمْعُهَا بأعَالِي الخدِّ يَنْحَدِرُ ⦗٢٥٩⦘
في ليلة البدر ما يدري مُعَايِنُهَا ... أوَجْهُهَا عندَهْْ أبْهَى أم القَمَرُ
لو خُلِّيَتْ لَمَشَتْ نَحْوِي على قدم ... تكادُ مِنْ رقةٍ للمَشْيِ تَنْفَطِرُ
فاستوعب سليمان الشعر، وظن أنه في جاريته، فبعث إلى سمير فأحضره، ودعا بحجَّام ليخصيه، فدخل إليه عمر بن عبدِ العزيز وكلمه في أمره، فقال له: اسكت إن الفَرَسَ يَصْهَل فتستودق الحِجْرُ له، وإن الفحل يخطر فتضبع له الناقة، وإن التَّيْسَ ينبُّ فتستحرم له العنز، وإن الرجل يُغَنِّي فتَشْبَقُ له المرأة، ثم خصاه، ودعا بكاتبه فأمره أن يكتب من ساعته إلى عامله ابنِ حزم بالمدينة "أن أحْصِ المخنثين المغنين" فتشظَّى قلم الكاتب فوقعت نقطة على ذروة الحاء، فكان ما كان مما تقدم ذكره.