قال قوم: راودَ يَسَار الكواعِبِ مولاتَه عن نفسها، فنهته، فلم ينته، فقالت: إني مُبَخَّرَتُكَ ببخور، فإن صَبَرْتَ عليه طاوعتُكَ، ثم أتته بمِجْمَرَة فلما جعلتها تحته قبضت على مَذَاكيره فقطعتها وقالت: صَبْراً على مَجَامر الكرام.
يضرب لمن يؤمَرُ بالصبر على ما يكره تهكما.
وقال المفضل: بلغنا ان أعرابياً قدم الحَضَر بإبلٍ، فباعها بمال جَمٍّ وأقام لحوائج له، ففطن قومٌ من جيرته لما معه من المال، فعرضوا عليه تزويجَ جارية وصَفُوها بالجمال والحَسَب والكمال طمعاً في ماله، فرغب فيها، فزوَّجُوه إياها، ثم إنهم اتخذوا طعاما وجمعوا الحيَّ وأجلس الأعرابي في صَدْر المجلس، فلما فرغوا من الطعام، ودارت الكؤوسُ، وشرب الأعرابي، وطابت نفسُه، أتَوْه بكسوة فاخِرَة وطيبٍ، فألبس الخلعَ ووُضِعت تحته مجمرة فيها بخور لا عهد له بذلك، وكان لا يَلْبَسُ السراويل، فلما جلس عليها سَقَطَتْ مذاكيره في المجمرة، فاستحيا أن يكشفَ ثوبه، وظن أن تلك سُنة لا بدَّ منها، فصبر على النار وهو يقول: صَبْراً على مجامر الكرام، فذهبت مثلا، وارتحل الأعرابي إلى البادية، وترك امرأته وماله، فلما قصَّ على قومه ما أرى قالوا: اُسْتٌ لم تعود المجمر، فذهبت قولهم مثلا أيضاً.