٢١٦٩- أَصَحُّ مِنْ عَيْرِ أبِي سَيَّارَةَ.
هو رجل من بني عَدْوَان اسمه عميلة بن الأعزل، وكان له حمار أسود أجاز الناسَ خالد عليه من المزدلفة إلى منًى أربعين سنةً، وكان يقول: أشْرِقْ ثَبير كيما نُغِير، ويقول:
لاهُمَّ إنِّي تَابِعٌ تَبَاعَهْ ... إنْ كَانَ إثْمٌ فَعَلَى قُضَاعَهْ (في أصول هذا الكتاب "لاهم إني بائع بياعة" تحريف ما أثبتناه عن سيرة ابن هشام.)
لاهم مَالِي فِي الحِمَارِ الأْسَوْد ... أصْبَحْتُ بَيْنَ الْعَالَمِينَ أحْسَدْ
هَلاَّ يكاد ذُو الْبَعِيرِ الْجَلْعَدْ ... فَقِ أبا سَيَّارَةَ الْمُحَسَّدْ
مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدْ ... وَمِنْ أذَاةِ النَّافِثَاتِ فِي الْعُقَدْ
اللهم حبب بين نسائنا، وبَغِّضْ بين رِعائنا، واجعل المال في سُمَحَائنا، وفيه يقول الشاعر:
خَلُّوا الطَّرِيقَ عن أبي سَيَّارَهْ ... وعَنْ مَوَاليه بَنِي فَزَارَهْ
حَتَّى يُجيزَ سَالماً حِمَارَهْ ... مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهْ
وكان خالد بن صَفْوَان والفضل بن عيسى الرَّقَاشي يختاران ركوبَ الحمير على ركوب البَرَاذين، ويجعلان أبا سَيَّارة لهما قُدْوَة.
فأما خالد فإن بعض الأشراف بالبصرة تلقَّاه فرآه على حمار فقال: ما هذا المركب ياأبا صفوان؟ فقال: عَيْر من نَسْل الكداد، أصْحَر السِّرْبال، مفتول الأجلاد، محملج القوائم، يحمل الرجلة، ويبلُغ العقبة، ويقل داؤه، ويَخِفُّ دواؤه، ويمنعني أن أكون جَبِّاراً في الأرض أو أكون من المفسدين، ولولا ما في الحمار من المنفعة لما امتطى أبو سَيَّارة ظهر عَيْر أربعين سنة.
وأما الفضل بن عيسى فإنه سئل أيضاً عن ركوب الحمار، فقال: لأنه أقل الدوابِّ مَؤُنة، وأكثرها مَعُونة، ⦗٤١١⦘ وأسهلها جِمَاحا، وأسلمها صريعا، وأخْفَضُها مَهْوًى، وأقربها مُرْتَقًى، يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويسمى مقتصدا وقد أسرف في ثمنه، ولو شاء عُمَيْلة بن خالد أبو سَيَّارة أن يركب جملا مَهْرِيّاً أو فرساً عربياً لفَعَلَ، ولكنه امتطى عَيْراً أربعين سنة، فسمع أعرابي كلامه، فعارضه فقال: الحمار شَنَار، والعَيْر عار، مُنْكَر الصوت، بعيد الفَوْت، متغرق في الوَحْل، متلوث في الضَّحْل ليس بركوبَةِ فَحْل، ولا مطية رَحْل، إن وقفته أدْلى، وان تركته وَلَّى، كثير الرَّوْث، قليل الغَوْث، سريع إلى الفرارة، بطيء في الغارة، لا تُرقأ به الدماء، ولا تُمْهَر به النساء، ولا يحلب في إناء.
قال أبو اليقطان: أبو سَيَّارة أولُ من سَنَّ في الدِّيَة مائةً من الإبل.