وقد اختلف الرواة في لفظ هذا الاسم، ومعناه، وفي اشتقاقه، وفي سبب المثل.
فاما اختلاف لفظه فإنه يقال: مَنْشِم، ومَنْشَم، ومَشْأَم.
وأما اختلاف معناه فإن أبا عمرو بن العَلاَء زعم أن المَنْشِمَ الشرُّ بعينه، وزعم آخرون أنه شيء يكون في سُنْبُل العطر، يسميه العطارون قرون السنبل، وهو سم ساعة، قالوا: وهو البيش، وقال بعضهم: إن المنشم ثمرة سوداء منتنة، وزعم قوم أن منشم اسم امرأة.
وأما اختلاف اشتقاقه فقالوا: إن مَنْشِم اسمٌ موضوع كسائر الأسماء الأعلام، وقال آخرون: مَنْشَم اسم وفعل جعلا اسماً واحداً وكان الأصل مَنْ شَمَّ فحذفوا الميم الثانية من شَمَّ، وجعلوا الأولى حرف إعراب، وقال آخرون: هو من نشم إذا بدأ، يقال "نشم في كذا" إذا أخذ فيه، يقال ذلك في الشر دون الخير، وفي الحديث "لما نشم الناسُ في عثمان" أي طعنوا فيه، فأما مَنْ رواه مَشْأم فإنه يجعله اسماً مشتقاً من الشؤم.
وأما اختلاف سبب المثل فإنما هو في قول مَنْ زعم أن منشم اسم امرأة، وهو أن بعضَهم يقول: كانت مَنْشِم عطارةً تبيع الطيب، فكانوا إذا قَصَدُوا الحربَ غَمَسُوا أيديَهم في طيبها وتحالفوا عليه بأن يستميتوا في تلك الحرب ولا يُوَلُّوا أو يُقْتَلُوا، فكانوا إذا دخلوا الحربَ بطيب تلك المرأة يقول الناس: قد دَقُّوا بينهم عِطْرَ مَنْشِمَ، فلما كثر منهم هذا القول سار مثلا، فمن تمثل به زهير بن أبي سلمى حيث يقول: ⦗٣٨٢⦘
وزعم بعضهم أن مَنْشِم كانت امرأة تبيع الْحَنُوطَ، وإنما سموا حنوطها عطراً في قولهم " قد دقوا بينهم عطر منشم" لأنهم أرادوا طيبَ الموتى. وزعم الذين قالوا: إن اشتقاق هذا الاسم إنما هو عطر مَنْ شَمَّ، أنها كانت امرأة يقال لها "خفرة" تبيع الطيب، فورد بعضُ أحياء العرب عليها، فأخذوا طيبها وفَضَحُوها، فلحقها قومُها، ووضعوا السيفَ في أولئك وقالوا: اقتلوا مَنْ شَمَّ، أي من شَمَّ من طيبها. وزعم آخرون أنه سار هذا المثلُ في حَلِيمة أعني قولهم:"قد دَقُّوا بينهم عطر منشم" قالوا: ويومُ حليمة هو اليوم الذي سار به المثل فقيل: "ما يَوْمُ حَليمة بِسِرٍّ" لأن فيه كانت الحرب بين الحارث بن أبي شمر ملك الشام، وبين المنذر بن المنذر بن امرىء القيس ملك العراق، وإنما أضيف هذا اليوم إلى حليمة لأنها أخرجت إلى المعركة مَرَاكِنَ من الطيب، فكانت تُطَيِّبُ به الداخلين في الحربِ، فقاتلوا من أجل ذلك حتى تفانوا، وزعم آخرون أن منشم امرأة كان دخل بها زوجُها، فنافرته، فدقَّ أنفها بفِهْرٍ، فخرجت إلى مُدَمَّاة، فقيل لها: بئس ما عَطَّرك به زوجُك، فذهبت مثلا.
وقال ابن السكيت العربُ تكنى عن الحرب بثلاثة أشياء: أحده عِطْرُ مَنْشِم، والثاني: ثَوْبُ محارب، والثالث: برد فاخر، ثم حكى في تفسير عطر منشم قولَ الأصمعي، وقال في " ثوب محارب" إنه كان رجلا من قيس عَيْلاَن يتخذ الدروع، والدرعُ ثوبُ الحربِ، وكان مَنْ أراد أن يشهد حرباً اشترى درعاً، وأما " برد فاخر" فإنه كان رجلا من تميم، وهو أول من لبس البرد المَوْشِيَّ فيهم، وهو أيضاً كناية عن الدرع، فصار جميعُ ذلك كنايةً عن الحرب.