قَال المفضل: أولُ من قَال ذلك أبو سفيان بن حَرْب، وذلك أنه أقْبَلَ بعِير قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تَحَّيَنَ انصرافها من الشأم فَنَدَب المسلمين للخروج معه، وأقبل أبو سفيان حتى دنا من المدينة وقد خاف خوفاً شديداً، فَقَال لمجدىّ بن عمرو: هل أحْسَسْتَ من أحدٍ من أصحاب محمد؟ فَقَال: ما رأيت من أحد ⦗٢٢٢⦘ أنكره إلا راكبين أتيَا هذا المكَانَ، وأشار له إلى مكان عديٍّ وبسبس عَيْنَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ أبو سفيان أبْعَاراً من أبعار بعيريهما ففَتَّها فإذا فيها نوىً، فَقَال: علائفُ يَثْرب، هذه عيون محمد، فضرب وجوه عِيْرِهِ فسَاحَلَ بها وترك بَدْراً يساراً، وقد كان بَعَثَ إلى قريش حين فَصَلَ من الشأم يخبرهم بما يخافه من النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبلت قريش من مكة، فأرسل إليهم سفيان يخبرهم أنه قد أحرز العير، ويأمرهم بالرجوع، فأبَتْ قريش أن تَرْجِع ورَجَعَتْ بنو زهرة من ثنيَّة أجدى، عدلوا إلى الساحل مُنْصَرِفين إلى مكة، فصادفهم أبو سفيان فَقَال: يابنى زهرة لا في العير ولا في النفير، قَالوا: أنت أرسَلْتَ إلى قريش أن ترجع، ومضت قريش إلى بدر، فواقعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأظفره الله تعالى بهم، ولم يشهد بدراً من المشركين من بنى زهرة أحد.
قَال الأَصمَعي: يضرب هذا للرجل يحطُّ أمره ويصغر قدره
وروى أن عبد الله بن يزيد بن معاوية أتى أخاه خالداً فَقَال: يا أخى لقد هممت اليوم أن أفْتِكَ بالوليد ابن عبد الملك، فَقَال له: والله بئسما هممت به في ابن أمير المؤمنين وولى عهد المسلمين، فَقَال: إن خيلى مَرَّتْ به فتعبث بها وأصغرها وأصغرنى، فَقَال خالد: أنا أكْفِيكَهُ، فدخل خالد إلى عبد الملك والوليد عنده فَقَال: يا أمير المؤمنين إن الوليد مَرَّتْ به خيلُ ابن عمه عبد الله بن يزيد بن معاوية فتبعث بها وأصغره، وعبدُ الملك مُطرِق، فرفع رأسَه وقَال: إن المُلُوك إذا دخَلوا قريةً أفْسَدُوها، وجَعَلُوا أعِزَّةَ أهلها أذلَّةً، إلى آخر الآية، فَقَال خالد: وإذ أرَدْنَا أن نُهْلِكَ قريةً أمرنا مُترفيها، إلى آخر الآية، فَقَال عبد الملك: أفى عبد الله تكلمى؟ والله لقد دَخَلَ عَلَىَّ فما أقام لسانه لحنا، فَقَال خالد: أفَعَلَى الوليدِ تعول؟ فَقَال عبد الملك: إن كان الوليد يلحن فإن أخاه سليمان لا، فَقَال خالد: وإن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالدا لا، فَقَال له الوليد: اسكُتْ يا خالدُ فوالله ما تعدُّ في العيرِ ولا في النَّفير، فَقَال خالد: اسْمَعْ يا أمير المؤمنين، ثم أقبل عليه فَقَال: ويْحَكَ! مَنْ في العير والنفير غيري؟ جَدِّى أبو سفيان صاحبُ العير، وجدي عتبة بن ربيعة صاحب النَّفِير، ولكن لو قلت "غُنَيْمات وجُبَيْلاَت والطائف ورحم الله عثمان" قلنا: صدقت، عَنَى بذلك طَرْدَ رسول صلى الله عليه وسلم الحكَم إلى الطائف إلى مكان ⦗٢٢٣⦘ يدعى غَنيمات، وكان يأوى إلى حُبْلةَ وهى الكَرْمة، وقوله "رَحِمَ الله عثمان" لردِّهِ إياه.