٤٠٣٨- مَنْ يَنِكِ العَيْرَ يَنِكْ نَيَّاكاً
أول من قَالَ ذلك خِضْر بن شِبْل الخثعْمى، وكانت امرأته صديقةً لرجل يُقَال له هِشَيمْ، وإن خِضْراً أخذ ماله ذهباً وفضة فدفَنَه في أصل شجرة، ثم رجع فأخبر امرأته بما دفن، فأرسلت وليدَتَها إلى هُشَيم تخبره بمكان المال وتأمره بأخذه، فجاءت الوليدة إلى سيدها فَقَالَت: إن امرأتك مُوَاتية لهُشَيم، ولم يَمنعني أن أعلمك ذلك قبل هذا اليوم إلاَ رهبة أن لا تؤمن به، وآية ذلك أنها أرسلتنى إلى هُشَيم تخبره بالمكان الذي دفنت فيه المال، فما تأمرني؟ قَالَ: انطلقي إلى هَشَيم برسالتها، فانطلقت إليه، وركب خِضْر فرسَه وانطلق وأنشأ يقول:
يَا سَلْم قَدْ لاَحَ لِي مَا كَانَ يَبْلُغُنِي ... عنكُمْ فأيَقَنْتُ أنَّي كُنْتُ مأكُولاَ
وقَدْ حَبَوْتُكِ إكْرَاماً ومَنْزِلَةً ... لَوْ كَانَ عِنْدَكِ إكْرَامِيكِ مَقْبُولاَ
فَقَدْ أتانِي بما كُنْتُ أحْمَدُهُ ... مِنْ سِرِّهَا أن أمْرِي كان تَضْلِيلاَ
فَسَوف أبدل سَلْمَى مِنْ جِنَايَتِهَا ... هُلْكا، وَأتْبِعُهُ مِنْهَا عَقَابِيلاَ
وَسَوْفَ أبْعَثُ إنْ مُدَّ البَقَاءُ لَنَا ... عَلَى هُشَيْمٍ مُرِنَّاتٍ مَثَاكِيلاَ
فلما انتهى إلى ذلك المكان وجد هُشَيْما قد سبقه وأخذ المال، فأسف ورجع يؤامر نفسه في قتل امرأته، وجعل يكاد يتهم الجارية، ثم عَزَم على مكايدة امرأته حتى يظفر بحاجته، فرجع إلى منزلة كأنه لاَ يعلم بشيء مما كان، ومكث أياماً، ثم قَالَ لامرأته: إني مستودعك سراً، قَالَت: إني إذاً أرعاه، قَالَ: إني لقيتُ غَوَّاصاً جائيا من جَنَبَات البحر ومعه دُرَّتَانِ، فقتلته وأخذتهما منه، ودفنتهما في موضع كذا وكذا، وقَالَ للوليدة: إذا أرسلتكِ إلى هُشَيم فابدئي بي، ولم يعلمها ما قَالَ لامرأته، فأرسلت امرأتُه الوليدةَ إلى هُشَيم، فأتت الوليدة خِضْرَاً فأخبرته، فعرف أنها صادقة، وقَالَ لها: انطلقي فأعلميه، وركب هو وأخ له يُقَالُ له صُوَيْد وخرج هُشَيْم وقد سبقاه فكمَنَا له حيث لاَ يراهما، فأقبل يتغنى
سَلَبْتُكَ يَا ابنَ شِبْلٍ وَصْلَ سَلْمَى ... وَمَالَكَ، ثُمَّ تُسْلَبُ دُرَّتاَكا
فأنْتَ اليَوْمَ مَغبُونٌ ذَلِيلٌ ... تُسَام العَارَ فِينَا وَالهَلاَكا
إذَا مَا جِئْتَ تَطْلُبُ فَضْلَ مَالٍ ... ضَربْتَ مَليحَةً خًوْداً ضِنَاكا
وتَرْجِعُ خَائِبَاً كَمِداً حَزِيناً ... تَحِكُّ جُلَيْدَ فَقْحَتِكَ احْتِكَاكا ⦗٣٠٦⦘
فشد عليه خضر وهو يقول: مَنْ يَنِكِ العيرَ ينك نياكا، ثم أخذه وكتفه، وقَالَ أين مالي؟ فأخبره بموضعه، فضرب عنقه، وذهب إلى ماله فأخذه، وانصرف إلى امرأته فقتلها، واحتبس وليدتها مكانها.
يضرب مثلاً لمن يُغُالِبُ الغَلاَّبَ