هذا المثل لبعض نساء الأعراب، قال المبرد: حدثني علي بن عبد الله عن ابن عائشة قال: كان ذو الإصبع العَدْوَانيّ رجلا غَيُوراً وله بنات أربع، وكان لا يزوجهن غَيْرَةً فاستمع عليهن يوما وقد خَلَوْنَ يتحدثْنَ، فقالت: قائلة منهن: لِتَقُلْ كلُّ واحدةٍ منا ما في نفسها، ولنصدق جميعا، فقالت كُبْرَاهُن:
ألا لَيْتَ زوجي من أناسٍ ذَوِي غِنىً ... حديثُ شبابٍ طَيِّبُ النَّشْرِ والذِّكْرِ
لَصُوق بأكْبَادِ النساء كأنه ... خَليِفَةُ حان لا يقيم على هَجْرِ ⦗٣٢١⦘
وقالت الثانية:
ألا ليته يُعْطى الجمال بَديهَةً ... له جَفْنة تَشْقَي بها النِّيبُ وَاُلجزْرُ
له حكمات الدهر من غير كبْرَةٍ ... تَشِينُ، فلا وَانٍ ولا ضَرِعٌ غَمْرُ
عليمٌ بأدْوَاءِ النِّساء ورَهْطُهُ ... إذا ما انتْمَىَ مِنْ أهْل بيتي ومَحْتِدِى
فقلن لها: أنت تريدين ابنَ عَمٍّ لك قد عرفته، وقلن للصغرى: ما تقولين؟ قالت: لا أقول شيئاً، فقلن: لا نَدَعُك وذاك، إنك قد اطَّلَعت على أسرارنا وتكتمين سرك، فقالت: زَوْجٌ من عود خير من قعود، فخُطِبْنَ فزوجن جُمَع، ثم أمهلهن حولا، ثم زار الكبرى فقال لها: كيف رأيتِ زوجَكِ؟ فقالت: خير زوج، يُكْرِم أهْلَه، وينسى فضله، قال: فما مالُكم؟ قالت الإبل، قال: وما هي؟ قالت: نأكل لحمانها مزعا، ونشرب ألبانها جرعا، وتحملنا وضَعَفَتنا معا، فقال: زوج كريم، ومال عميم. ثم زار الثانية فقال: كيف رأيتِ زوجَكِ؟ قالت: يكرم الْحَليلة، ويُقَرِّبُ الوَسِيلة، قال: فما مالُكم؟ قالت: البقر، قال وما هي؟ قالت: تألف الفِناء، وتملأ الإناء، وتُودِك السِّقاء، ونساء مع نساء فقال: رَضِيت فحَظِيت. ثم زار الثالثة فقال: كيف رأيتِ زوجَكِ؟ فقالت: لا سَمْح بذر، ولا بخيل حكر، قال: فما مالكم؟ قالت المِعْزَى، قال: وما هي؟ قالت لو كنا نولدها فطما، ونسلخها أدما، لم نبع بها نَعَما، فقال: جذو مُغْنية. ثم زار الرابعة فقال كيف رأيتِ زوجَكِ؟ قالت: شر زوج، يكرم نفسه، ويهين عِرْسَه، قال: فما مالكم؟ قالت: شر مال الضأن، قال: وما هي؟ قالت: جُوفٌ لا يَشْبَعْن، وهِيم لا يَنْقَعْن، وصُمٌّ لا يسمعن وأمْرَ مُغْوِيتهن يَتْبَعْن، فقال أشبه امرؤ بعضَ بزه (في أصول هذا الكتاب "أشبه أمره بره" وانظر المثل رقم ١٧٧٣ الآتي)
قال علي بن عبد الله: قلت لابن عائشة: ما قولها"وأمْرَ مغويتهن يتبعن"؟ قال أما تراهُنَّ يمررن فتسقُطُ الواحدةُ منهن في ماء أو وحَل أو غير ذلك فيتبعنها عليه، وقوله "جذو مغنية" جمع جذوة، وهي القطعة.