قالوا: أول مَنْ قال ذلك أُحَيْحَةُ بن الجُلاَح الأوْسِيُّ سيد يثرب، وكان سبب ذلك أن قيس بن زهير العبسي أتاه - وكان صديقا له - لما وقع الشر بينه وبين بني عامر، وخرج إلى المدينة ليتجَهَّز لقتالهم حيث قتل خالدُ بن جعفر زهيرَ بن جَذِيمة، فقال قيس لأحَيْحَة: يا أبا عمرو، نُبِّئت أن عندك دِرْعا فبِعْنِيهَا أو هَبْها لي، فقال: يا أخا بني عَبْس ليس مثلي يبيع السلاح ولا يفضل ⦗٢٠⦘ عنه، ولَولا أني أكره أن أستلئم إلى بني عامر لوهبتها لك ولحملتك على سَوَابق خيلي، ولكن اشْتَرِها بابن لَبُون فإن البيع مرتخص وغال، فأرسلها مثلا، فقال له قيس: وما تكره من استلآمك إلى بني عامر؟ قال: كيف لا أكره ذلك وخالد بن جعفر الذي يقول:
إذا ما أرَدْتَ العزَّ في دار يثرب ... فنادِ بصوتٍ يا أحَيْحَةُ تُمْنَعِ
رأينا أبا عَمْرٍ وأحَيْحَةَ جَارُهُ ... يَبيتُ قريرَ العين غيرَ مُرَوّعِ
ومن يأتِهِ من خائِفٍ يَنْسَ خوفَه ... ومن يأته من جائِعِ البطنِ يَشْبَعِ
فضائلُ كانت للجُلاَح قديمة ... وأكْرِمْ بفَخْرٍ من خصالك أربع
فقال قيس: يا أبا عمرو ما بعد هذا عليك من لوم، ولهى عنه.