أول من قال ذلك سَهْل بن مالك الفَزَاري، وذلك أنه خرج يريد النعمان، فمر ببعض أحياء طيء، فسأل عن سيد الحي، فقيل له: حارثة بن لأم، فأمَّ رَحْلَه فلم يُصِبْه شاهدا فقالت له أخته: انْزِلْ في الرَّحْب والسَّعَة، فنزل فأكرمته ولاطفته، ثم خرجت من خِبائها فرأى أجْمَلَ أهل دهرها وأكملهم، وكانت عَقِيلَةَ قومِها وسيدة نسائها، فرقع في نفسه منها شيء، فجعل لا يَدْرِي كيف يرسل إليها ولا ما يوافقها من ذلك، فجلس بِفناء الخِباء يوماً وهي تسمع كلامه، فجعل ينشد ويقول:
فلما سمعت قوله عرفت أنه إياها يعني، فقالت: ماذا بِقَوْلِ ذي عقل أريب، ولا رأيٍ مصيب، ولا أنف نجيب، فأقِمْ ما أقَمْتَ مكرَّما ثم ارْتَحِلْ متى شئت مسلماً، ويقال أجابته نظماً فقالت:
فاسْتَحْيا لفتى وقال: ما أردتُ منكرا واسوأتاه، قالت: صدقْتَ، فكأنها اسْتَحْيَتْ من تسرُّعها إلى تُهمَته، فارتحل، فأتى النعمان فَحَبَاه وأكرمه، فلما رجع نزل على أخيها، فبينا هو مقيم عندهم تطلَّعت إليه نفسُها، وكان جميلا، فأرسلت إليه أنِ اخْطُبني إن كان لك إليَّ حاجة يوما من الدهر فإني سريعة إلى ما تريد، فخطبها وتزوجها وسار بها إلى قومه.