٣٧٦٩- مَقْتَلُ الرَّجُلِ بَيْنَ فَكَّيْهِ
المقتل: القَتْلُ، وموضع القتل أيضاً، ويجوز أن يُجْعل اللسان قَتْلاَ مبالغة في وَصْفه بالإفضاء إليه، قَالَ:
فإنما هيِ إقْبَالٌ وَإدْبَار ... (هو عجز بيت للخنساء، وصدره: ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت)
ويجوز أن يجعل موضعَ القتل، أي بسببه يحصل القتل، ويجوز أن يكون بمعنى القاتل، فالمصدر يَنُوب عن الفاعل، كأنه قَالَ: قاتِلُ الرجلِ بين فكيه.
قَالَ المفضل: أولُ من قَالَ ذلك أكْثَمُ بن صَيْفي في وصية لبنيه، وكان جَمَعَهم فَقَالَ:
تَبَارُّوا فإن البر يبقى عليه العدد، وكُفُّوا ألسِنَتَكم فإن مَقْتَلَ الرجل بين فَكَّيه، إن قول الحق لم يَدَعْ لي صديقاً، الصدقُ مَنْجَاة، لاَ يَنْفَعُ التَّوَقِّي مما هو واقع، في طلب المعالي يكون العَنَاء، الاقتصادُ في السعي أبْقَى للجمام، مَنْ لم يأسَ على ما فاته ودع بدنه، ومن قَنَعَ بما هو فيه قَرَّتْ عينه، التقدُّم قبل التندم،
أصْبح عند رأس الأمر أحبُّ إلي من أن أصبح عند ذنَبه، لم يهلك من مالك ما وَعَظَك، ويل لعالِم أمرٍ
مِنْ جاهله، يتشابه الأمر إذا أقبل، وإذا أدْبَرَ عرفه الكَيِّسُ والأحْمَقُ، البَطَرُ عند الرخاء حُمْق، والعجز عند البلاَء أمْنٌ، لاَ تَغْضَبُوا من اليسير فإنه يجني الكثير، لاَ تجيبوا فيما لاَ تُسْألون عنه، ولاَ تضحكوا مما لاَ يُضْحَك منه، تَنَاءَوا في الديار ولاَ تباغضوا، فإنه من يجتمع يقعقع عنده، ألزموا النساء المَهَانة،
نعم لَهْوُ الغِرَّةِ المِغْزَلُ، حيلَةُ مَنْ لاَ حيلَةَ له الصبر، إن تَعِش تَرَ ما لم تَرَهْ، المكثار ⦗٢٦٦⦘كحاطِبِ ليل، مَنْ أكثر أسْقَطَ، لاَ تجعلوا سراً إلى أمةٍ؛ فهذه تسعة وعشرون مثلاً منها [ما] قد مر ذكره فيما سبق من الكتاب، ومنها ما يأتي إن شاء الله تعالى
وقد أحسن من قَالَ: رَحِمَ اللهُ امرأ أطْلَقَ ما بين كَفَّيْه، وأمسَكَ ما بين فكيه ولله در أبى الفَتْح البُسْتى حيث يقول في هذا المثل:
تَكَلَّمْ وسَدِّدْ ما استَطَعْتَ؛ فَإنما ... كلامكَ حَيٌّ وَالسُّكُوتُ جَمَادُ
فَإنْ لم تَجِدْ قَوْلاً سَدِيداً تَقُولُهُ ... فَصَمْتُكَ عَنْ غَيْرِ السَّدَادِ سَدادُ
واحْتَذَاهُ القاضي أبو أحمد منصور بن محمد الهروى فَقَالَ:
إذَا كُنْتَ ذَا عِلْمٍ وَمَا رَاكَ جَاهِلٌ ... فأعْرِضْ فَفِي تَرْكِ الجَوَابِ جَوَابُ
وَإنْ لم تُصِبْ فِي القَوْلِ فَاسْكُتْ فإنما ... سُكوتُكَ عَنْ غَيْرِ الصَّوَابِ صَوَابُ
وضمن الشيخ أبو سهل النيلي شرائطَ الكلام قولَه:
أوصِيكَ فِي نَظْمِ الكلام بخَمْسَةٍ ... إنْ كُنْتَ لِلْمُوصِي الشَّفيقِ مُطِيعَا
لاَ تُغْفِلَنْ سَبَبَ الكلام وَوَقْتَهُ ... وَالكَيْفَ وَالكَمْ وَالمكَان جَمِيعَا