فهو أيضاً من مُخَنَّثي المدينة، واسمه نافذ، وكنيته أبو يزيد، وهو ممن خصاه ابنُ حَزْم الأنصاري أميرُ المدينة في عهدِ سليمان بن عبد الملك، وذلك أنه أمر ابن حزم عامله أن أَحْصِ لي مخنثي المدينة، فتشظَّى قلمُ الكاتب فوقعت نقطة على ذروة الحاء فصيرتها خاء، فلما ورد الكتاب المدينة نَاوَله ابنُ حزم كاتبه فقرأ عليه "اخْصِ المخنثين" فقل له الأمير: لعله أحْصِ بالحاء، فقال الكاتب: إن على الحاء نقطةً مثل تمرة، ويروى مثل سهيل، فتقدم الأمير في إحضارهم، ثم خصاهم، وهو طُوَيْس، ودَلاَل، ونسيم السحر، ونومة الضحا، وبرد الفؤاد، وظل الشجر، فقال كل واحد منهم عند خِصائه كلمةً سارت عنه، فأما طويس فقال: ما هذا إلا خِتَان أعيد علينا، وقال دلال: بل هذا هو الخِتان الأكبر، وقال نسيم السحر: بالخصاء صرتُ مُخَنثا حقا، وقال نومة الضحا: بل صرنا نِساء حقا، وقال برد الفؤاد: استرحْنَا من حَمْل مِيزاب البَوْل، وقال ظل الشجر: ما يصنع بسلاح لا يستعمل، ومَرَّ الطبيبُ الذي خَصَاهم بابن أبي عَتيق، فقال له: أنْتَ خاصي دلال، أما والله إنْ كان لَيُجيد:
لمن طَلَلٌ بذَاتِ الْجَز ... عِ أمْسى دارِساً خَلَقَا
ومضى الطبيب، فناداه ابنُ أبي عتيق أنِ ارْجِعْ، فرجع، فقال: إنما عنيتُ خفيفَه لا ثقيله.
قالوا: وكان يبلُغ من تخنُّث دلال أنه كان يرمي الجِمار في الحج بسُكَّر سليماني مزعفرا مُبَخَّرا بالعُود المطري، فقيل له في ذلك، فقال: لأبي مُرَّة (أبو مرة: كنية إبليس) عندي يَدٌ فأنا أكافئه عليها، قيل: وما تلك اليد؟ قال: حَبَّبَ إلي الأبنة. وقولهم: