للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٣٣٣- أَطْمَعُ مِنْ أَشْعَبَ.

هو رجل من أهل المدينة يقال له "أشْعَبُ الطَّمَّاع" وهو أشْعَبُ بن جُبَير مولَى عبدِ الله بن الزبير، وكتنه أبو العلاء، سأل أبو السمراء أبا عبيدة عن طَمَعه، فقال: اجتمع عليه يوماً غِلْمان من غِلْمان المدينة يُعَابثونه، وكان مَزَّاحاً ظريفاً مغنياً، فآذاه الغِلْمة، فقال لهم: إن في دار بني فلان عُرْساً، فانْطَلِقُوا إلي ثَمَّ فهوا أنْفَعُ لكم، فانْطَلَقُوا وتركوه، فلما مَضَوْا قال: لعل الذي قلتُ من ذلك حَقّ، فمضى في أثرهم نحو الموضع، فلم يجد شيئاً، وظفر به الغلمانُ هناك فآذِوْه.

وكان أشعب صاحبَ نوادر وإسناد، وكان إذا قيل له حدثنا، يقول: حدثنا سالم بن عبد الله - وكان يبغضني في الله - فيقال له: دَعْ ذا، فيقول: ما عَنِ الحقِّ مَدْفَع، ويروى: ليس للحق مَتْرَك، وكانت عائشة بنت عثمان كَفَلَته وكفلت معه ابن أبي الزناد فكان يقول أشعب: تربيت أنا وابن أبي الزناد في مكان واحد، فكنْتُ أسْفُلُ ويعلو، حتى بلغنا إلى ما ترون.

وقيل لعائشة: هل آنَسْتِ من أشْعَبَ رُشْداً؟ فقالت: قد أسلمتُه منذ سَنَةٍ في البز ⦗٤٤٠⦘ فسألته بالأمس: أين بلغت في الصناعة؟ فقال: يا أُمَّه قد تعلمْتُ نصفَ العمل، وبقي على نصفه، فقلت: كيف؟ فقال: تعلمت النَّشْرَ في سنة، وبقي على تعلم الطيِّ، وسَمِعْتُهُ اليومَ يخاطب رجلا وقد ساوَمَه قوس بندق، فقال: بدينار، فقال: والله لو كنت إذا رميت عنها طائراً وقع مَشْوِياً بين رغيفين ما اشتريتها بدينار، فأيَّ رشد يؤنس منه؟.

قال مصعب بن الزبير خرج سالم بن عبد الله بن عمر إلى ناحية من نواحي المدينة هو وحُرَمُه وجَوَارِيه، وبلغ أشعبَ الخبرُ، فوافى الموضع الذي هم به، يريد التطفل، فصادف البابَ مُغْلقاً فتسوَّرَ الحائط، فقال له سالم: وَيْلَكَ يا أشعب من بناتي وحُرَمي؟ فقال: لقد علمْتَ ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، فوجَّهَ إليه من الطعام ما أَكلَ وحَمَلَ إلى منزله.

وقال أشعب: وَهِبَ لي غلامٌ، فجئت إلى أمي بحمار موقور من كل شيء والغلام، فقالت أمي: ما هذا الغلام؟ فأشفقت عليها من أن أقول: وهب لي، فتموت فرحا، فقلت: وهب لي غين، فقالت: وما غين؟ قلت: لام، قالت: وما لام؟ قلت: ألف، قلت: وما ألف؟ قلت: ميم، قالت: وما ميم؟ قلت: وهب لي غلام، فغشى عليها فَرَحاً، ولو لم أقطع الحروف لماتت.

وقال له سالم بن عبد الله: ما بلغ من طَمَعِك؟ قال: ما نظرتُ قَطُّ إلى اثنين في جنازة يتساران إلا قَدَّرْتُ أن الميتَ قد أوصى لي من ماله بشيء، وما أدخل أَحَدٌ يده في كمه إلا أظنه يعطيني شيئاً.

وقال له ابن أبي الزناد: مابلغ من طمعك؟ فقال: ما زُفَّتْ بالمدينة امرأة إلا كَسَحْتُ بيتي رجاء أن يغلظ بها إلي.

وبلغ من طمعه أنه مَرَّ برجل يعمل طَبَقاً فقال: أحبُّ أن تزيدَ فيه طوقا، قال: ولم؟ قال: عسى أن يُهْدَي إلى فيه شيء.

ومن طمعه أنه مر برجل يمضغ علكا، فتبعه أكثر ن ميل حتى علم أنه علك.

وقيل له: هل رأيتَ أطمَعَ منك؟ قال: نعم، خرجت إلى الشام مع رفيق لي، فنزلنا عند دَيْر فيه راهب، فتلاحَيْنَا في أمر، فقلت: الكاذب منا كذا من الراهب في كذا منه، فنزل الراهبُ وقد أنغط، وقال: أيكما الكاذب؟ ثم قال أشعب: ودَعُوا هذا، امرأتي أَطْمَعُ مني ومن الراهب، قيل له: وكيف؟ قال: إنها قالت لي كما يخطر على قلبك من الطمع شيء يكون بين الشك واليقين إلا و [أنا] أتيقنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>