للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: ورد الأمر بالوضوء من النوم فلا بد من الجمع بين النصوص المتعارضة.

الدليل الثالث: عن بريدة أنَّ النبي : «صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، ومسح على خفيه» فقال له عمر : لقد صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه، قال: «عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ» (١).

وجه الاستدلال: من عادة النبي النوم فنام ولم يتوضأ فدل ذلك أنَّ النوم لا ينقض الوضوء (٢).

الرد: النبي ليس كغيره بدلالة حديث عائشة الآتي.

الدليل الرابع: في حديث عائشة فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلا يَنَامُ قَلْبِي» (٣).

الدليل الخامس: في حديث ابن عباس «ثم نام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن، فخرج، فصلى ولم يتوضأ».

الدليل السادس: عن عبد الله بن مسعود ، قال: «كان النبي ينام وهو ساجد، فما يعرف نومه إلا بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته» (٤)


(١) رواه مسلم (٢٧٧).
(٢) انظر: معرفة السنن والآثار (١/ ٢٠٦).
(٣) رواه البخاري (١١٤٧) ومسلم (٧٣٨).
(٤) الحديث مداره على إبراهيم بن يزيد النخعي ورواه عنه:
١: سليمان بن مهران الأعمش. ٢: حماد بن أبي سليمان. ٣: فضيل بن عمرو التميمي. ٤: منصور بن المعتمر.
الرواية الأولى: رواية الأعمش: واختلف عليه في جعل الحديث عن ابن مسعود أو عائشة :
أولًا: حديث ابن مسعود : رواه ابن أبي شيبة (١/ ١٣٣) حدثنا إسحاق بن منصور والطبراني في الكبير (١٠/ ٩٠) حدثنا محمد بن النضر الأزدي، ثنا سعيد بن سليمان، والبزار (١٥٢٠) حدثنا يوسف بن موسى، قال: نا محمد بن الصلت قالوا حدثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش والترمذي في العلل الكبير (١/ ١٥٠) حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا علي بن الحسن، عن أبي حمزة، يروونه - منصور بن أبي الأسود وأبو حمزة محمد بن ميمون السكري - وعبد الله بن القدوس علل الدارقطني (٧٩٩) - عن الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله ، قال: فذكره وإسناده صحيح.
منصور بن أبي الأسود وثقه يحيى بن معين في رواية وفي أخرى قال: ليس به بأس وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان فى ثقاته.
وأبو حمزة السكري وثقه ابن معين والنسائي وذكره ابن حبان في ثقاته.
وعبد الله بن عبد القدوس التميمي توسط فيه الحافظ ابن حجر فقال: صدوق رمي بالرفض، وكان أيضًا يخطاء. وبقية رواته ثقات.
سعيد بن سليمان هو سعدوية ويوسف بن موسى هو القطان ومحمد بن الصلت هو الأسدي. وعلي بن الحسن هو العبدي.
ورجح الدارمي رواية ابن مسعود من طريق الأعمش على روايته عن عائشة قال الترمذي: في العلل الكبير (١/ ١٥٠) سألت عبد الله بن عبد الرحمن فقال: حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله أصح.
وقال الدارقطني في علله (٥/ ١٦٧) أشبهها بالصواب حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله .
ويأتي الحديث معضلًا عن منصور عن إبراهيم النخعي. والأعمش أحفظ من منصور بن المعتمر لحديث النخعي والظاهر صحة الروايتين لما يأتي.
ومال البخاري إلى ترجيح حديث ابن مسعود من طريق الأعمش ولم يجزم بخطأ حديث عائشة قال الترمذي: في العلل الكبير (١/ ١٥٠) سألت محمدًا عن هذا الحديث فقلت: أي الروايتين أصح؟ فقال: يحتمل عنهما جميعًا، ولا أعلم أحدًا من أصحاب الأعمش قال: عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة إلا وكيعًا فقوله:، ولا أعلم أحدًا من أصحاب الأعمش قال: .... كأنَّه لم يطمئن إلى تفرد وكيع حيث لم يتابعه الثقات على ذلك وإلا فقد توبع.
ثانيًا: حديث عائشة : رواه أحمد (٢٤٥١٥) وابن ماجه (٤٧٤) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة [(١/ ١٣٢)] وعلي بن محمد، وابن شاهين ناسخ الحديث ومنسوخه (١٩٦) حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني، قالوا: حدثنا وكيع وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (١٩٧) حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن عامر، وأحمد بن عبد الوارث الحارثي، قالا: حدثنا محمد بن سعيد بن زائدة، قال: حدثنا شريك ورواه إسحاق بن إبراهيم الشهيدي، عن أبي معاوية، - علل الدارقطني (٣٦١٧) يروونه - وكيع وشريك بن عبد الله وأبو معاوية محمد بن خازم - عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة «كان رسول الله ينام حتى ينفخ، ثم يقوم، فيصلي، ولا يتوضأ» ورواته ثقات.
أحمد بن محمد بن سعيد ترجم له الذهبي في الميزان فقال: أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ أبو العباس، محدث الكوفة، شيعي متوسط. ضعفه غير واحد، وقواه آخرون. قال ابن عدي: صاحب معرفة وحفظ وتقدم في الصنعة، رأيت مشايخ بغداد يسيئون الثناء عليه، ثم قوَّى ابن عدي أمره، وقال: لولا أنَّي شرطت أن أذكر كل من تكلم فيه - يعني ولا أحابي - لم أذكره للفضل الذي كان فيه من الفضل والمعرفة، ثم لم يسق ابن عدي له شيئا منكرًا … وقال البرقاني: قلت للدارقطني: إيش أكثر ما في نفسك من ابن عقدة؟ قال: الإكثار بالمناكير. وروى حمزة بن محمد بن طاهر عن الدارقطني، قال: كان رجل سوء، يشير إلى الرفض. وسئل الدارقطني، عن ابن عقدة، فقال: لم يكن في الدين بالقوي، وأكذب من يتهمه بالوضع، إنَّما بلاؤه من هذه الوجادات.
وقال الذهبي: انتشر حديثه، وبعد صيته، وكتب عمن دب ودرج من الكبار والصغار والمجاهيل، وجمع الغث إلى السمين، والخرز إلى الدار الثمين.
والقاسم بن عبد الله بن عامر بن زرارة قال الدارقطني ليس بالقوي وقال ابن عبد الهادي غير مشهور بعدالة ولا جرح وتابعه أحمد بن عبد الوارث الحارثي ولم أقف عليه وتقدم أنَّ الحافظ ابن عقدة يروي عن المجاهيل.
ومحمد بن سعيد بن زائدة قال أبو حاتم شيخ قديم دلنا عليه ابن نمير لا بأس به.
قال الدارقطني في علله (١٤/ ٢٦٦) كذلك قيل عن إسحاق بن إبراهيم الشهيدي، عن أبي معاوية، عن الأعمش، ولا يصح عن أبي معاوية.
فوكيع بن الجراح جعل الحديث من رواية الأعمش عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد النخعي عن عائشة وتوبع لكن لا تتقوى بها روايته.
فتابعه شريك بن عبد الله النخعي وهو صدوق يخطاء كثيرًا إضافة إلى ضعف وجهالة بعض رواة إسناده.
كذلك رواه ابن أبي شيبة عن شريك عن منصور عن إبراهيم النخعي مرسلًا وهي أرجح.
وكذلك تابعه أبو معاوية محمد بن خازم وهو من أحفظ الناس لحديث الأعمش وتقدم عن الدارقطني أنَّها خطًا ولم أقف على سندها وتأتي رواية أبي معاوية عن حجاج بن أرطاة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم وهي رواية اضطرب فيها حجاج.
وكذلك رواه ورقاء، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة ويأتي أنَّها رواية شاذة.
فلم تبقَ إلا رواية وكيع واختلف في روايته عن الأعمش فقيل لعيسى بن يونس، وكيع سمع من الأعمش، وهو صغير، قال: لا تقولوا ذاك، إنَّه كان ينتقيها ويعرفها وكان ابن مهدي لا يعدل بوكيع أحدًا فهو مقدم في الأعمش لكن رواية الجمع مقدمة عليه.
وتقدم الحديث عن منصور بن أبي الأسود وأبي حمزة السكري وعبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود والذي يظهر لي ترجيح هذه الرواية على رواية وكيع فهم جمع إضافة إلى رواية الحجاج بن أرطاة الآتية وهي مضطربة لكنَّها في الجملة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود . وتأتي رواية الحديث عن منصور بن المعتمر عن النخعي معضلًا والظاهر أنَّه لا تعارض بينها وبين وصل الحديث عن ابن مسعود فإبراهيم النخعي تارة يصله وتارة يرسله ورواه الثوري عن منصور عن إبراهيم موقوفًا من فتواه - يأتي - ولا تعارض بين هذه الروايات والله أعلم. وتقدم ترجيح الدارقطني والدارمي لحديث ابن مسعود .
ونظرًا لأنَّ روايات الحديث المختلفة متقاربة في القوة فلذا اختلف قول الدارقطني فرجح حديث منصور عن إبراهيم معضلًا - ويأتي ترجيحه - وتردد البخاري في الجزم برد حديث عائشة والله أعلم.
الرواية الثانية: رواية حماد بن أبي سليمان وفضيل بن عمرو التميمي: رواه الحجاج بن أرطاة واضطرب في إسناده فرواه:
١: أبو يعلى (٥٢٢٤) حدثنا أبو خيثمة، وأحمد (٤٠٤١) قالا حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم، حدثنا الحجاج، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله «أنَّ رسول الله كان ينام مستلقيًا حتى ينفخ، ثم يقوم، فيصلي ولا يتوضأ» وإسناده ضعيف.
٢: ابن ماجه (٤٧٥) حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن حجاج، عن فضيل بن عمرو، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله «أنَّ رسول الله نام حتى نفخ، ثم قام، فصلى» وإسناده ضعيف.
فاضطرب فيه حجاج بن أرطاة فتارة يجعله عن حماد بن أبي سليمان وتارة يجعله عن فضيل بن عمرو.
والحجاج بن أرطاة صدوق كثير الخطأ والتدليس ومع ضعف هذه الرواية تصلح شاهدًا لرواية الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود والله أعلم.
الرواية الثالثة: رواية منصور بن المعتمر: رواه:
١: ابن أبي شيبة (١/ ١٣٢) حدثنا شريك وابن شاهين في ناسخ الحديث (١٩٨) حدثنا جعفر بن أحمد بن حمدان الموصلي، قال: حدثنا محمد بن زياد الزيادي، قال: حدثنا فضيل يعني: ابن عياض - يروونه شريك وفضيل بن عياض - وشعبة وأبو عوانة اليشكري علل الدارقطني (٧٩٩) وزائدة بن قدامة علل الدارقطني (٣٦١٧) - عن منصور عن إبراهيم، «أنَّ النبي نام في المسجد حتى نفخ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ» معضل رواته ثقات.
شيخ ابن شاهين ترجم له الخطيب في تاريخه فقال: جعفر بن حمدان بن يحيى، أبو القاسم الشحام الموصلي … روى عنه … وأبو حفص بن شاهين. وكان مكفوف البصر، ورواياته مستقيمة. وترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
ومحمد بن زياد الزيادي ذكره ابن حبان في ثقاته وقال: ربما أخطأ.
وشريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطاء كثيرًا وهو متابع للثقات وبقية رواته ثقات.
قال الدارقطني في علله (١٤/ ٢٦٧) المرسل أشبهها بالصواب عن منصور.
فالثقات فضيل بن عياض وشعبة وأبو عوانة اليشكري وزائدة بن قدامة جعلوه عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي معضلًا وتابعهم شريك في هذه الرواية - وهي أرجح - مما تقدم عن شريك عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة مرفوعًا.
وتابع منصور مغيرة بن مقسم فالذي يظهر لي أنَّ أقوى طرقه المعضل مع ما تقدم من صحة وصل الحديث عن ابن مسعود .
فيترجح المرسل ب:
١: منصور بن المعتمر أثبت من الأعمش عند يحيى القطان وأحمد.
٢: لم يختلف على منصور في إرسال الحديث بخلاف الأعمش فتقدم الاختلاف عليه.
٣: تابع منصور الثقة مغيرة بن مقسم.
٢: ابن أبي شيبة (١/ ١٣٢) حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: «كان النبي ينام في ركوعه وسجوده، ثم يصلي، ولا يتوضأ» معضل رواته ثقات.
هشيم بن بشير مدلس.
٣: عبد القاهر بن شعيب بن الحبحاب، عن ورقاء، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة . علل الدارقطني (٣٦١٧) (٧٩٩) وإسناده ضعيف.
عبد القاهر بن شعيب بن الحبحاب ذكره ابن حبان في الثقات وقال صالح جزرة: لا بأس به.
وورقاء بن عمر وثقه وكيع وأحمد وابن معين وفي رواية عنه قال صالح وقال معاذ بن معاذ ليحيى القطان سمعت حديث منصور قال نعم فقال ممن قال من ورقاء قال لا يساوي شيئًا وقال العقيلي تكلموا في حديثه عن منصور وقال ابن عدي روى أحاديث غلط في أسانيدها وباقي حديثه لا بأس به.
فهذه الرواية شاذة من وجهين وصل الحديث وجعله عن عائشة . والمحفوظ عن منصور المعضل والله أعلم.

<<  <   >  >>