للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام في الناس (١).

وجه الاستدلال: نام الصحابة وظاهر الحديث أنَّ نومهم طويل ولم يتوضؤوا فدل ذلك على عدم انتقاض الوضوء بالنوم مطلقًا.

الرد: هذا أول الإسلام فيحمل على أنَّه قبل تشريع انتقاض الوضوء بالنوم جمعًا بينه وبين نصوص انتقاض الوضوء بالنوم والله أعلم.

الدليل التاسع: عن أنس بن مالك قال: «أقيمت الصلاة والنبي يناجي رجلا فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه ثم جاء فصلى بهم» (٢).

الدليل العاشر: عن أنس بن مالك ، قال: «كان أصحاب رسول الله ينامون، ثم يصلون ولا يتوضؤون» (٣).


(١) رواه البخاري (٥٦٩) ومسلم (٦٣٨).
(٢) البخاري (٦٤٢) (٦٢٩٢) ومسلم (١٢٣) (١٢٤) - (٣٧٦).
(٣) حديث أنس رواه عنه قتادة السدوسي ورواه عنه:
١: هشام الدستوائي. ٢: شعبة بن الحجاج. ٣: معمر بن راشد. ٤: محمد بن سليم الراسبي. ٥: سعيد بن أبي عروبة.
الرواية الأولى: رواية هشام بن أبي عبد الله الدستوائي: رواه أبو داود (٢٠٠) حدثنا شاذ بن فياض وابن المنذر في الأوسط (١/ ٢٥٩) حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا وهب بن جرير والسراج (١١٠٣) حدثنا عبيد الله بن سعيد، ثنا يحيى بن سعيد والدارقطني (١/ ١٣١) حدثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو هشام الرفاعي نا وكيع قالوا: حدثنا هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس ، قال: «كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون» وإسناده صحيح.
شاذ بن فياض توسط فيه ابن حجر فقال: صدوق له أوهام وأفراد وهو متابع ليحيى القطان ووكيع.
وإبراهيم بن عبد الله ترجم له في الميزان ولسانه فقال: إبراهيم بن عبد الله السعدي النيسابوري صدوق … قال أبو عبد الله الحاكم كان يستخف بمسلم فغمزه مسلم بلا حجة انتهى. قال ابن أبي حاتم .. سئل أبي عنه فقال شيخ وذكره ابن حبان في الثقات. وأبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي توسط فيه ابن حجر فقال: ليس بالقوي وبقية رواته ثقات.
وهب بن جرير هو الأزدي. وعبيد الله بن سعيد هو أبو قدامة اليشكري.
وصحح الحديث الدارقطني.
قوله: «حتى تخفق رؤوسهم» بمعنى ينامون في الرويات الآتية فالجالس إذا نام خفق رأسه والله أعلم.
الرواية الثانية: رواية شعبة: رواه عنه:
١: يحيى بن سعيد القطان. ٢: خالد بن الحارث
أولًا: يحيى بن سعيد القطان عن شعبة: اختلف عليه فرواه:
١: الإمام أحمد وعبيد الله بن سعيد: رواه أحمد (١٣٥٢٩) والسراج (١١٠٢) حدثنا عبيد الله بن سعيد قالا حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا شعبة، حدثنا قتادة، قال: سمعت أنس بن مالك ، قال: «كان أصحاب رسول الله ينامون، ثم يصلون ولا يتوضؤون» وإسناده صحيح.
أبو قدامة عبيد الله بن سعيد اليشكري قال الحاكم: أبو قدامة أحد أئمة الحديث متفق على إمامته وحفظه وإتقانه.
٢: محمد بن بشار واختلف عليه فيه فرواه:
١): الترمذي (٧٨) حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك ، قال: - كلفظ رواية أحمد - وإسناده صحيح.
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
٢): البيهقي (١/ ١٢٠) أخبرناه أبو الحسن: علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا تمتام حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: «كان أصحاب رسول الله ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون على عهد رسول الله » وإسناده صحيح.
على بن أحمد بن عبدان وثقه الخطيب وأحمد بن عبيد الصفار قال البغدادي ثقة ثبت صنف المسند وجوده. ومحمد بن غالب تمتام قال الدارقطني ثقة مأمون إلا إنَّه كان يخطئ. لكنَّه لم يخالف فلفظ هذه الرواية هو المحفوظ من رواية محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد القطان والله أعلم.
وقوله: «على عهد رسول الله » زيادة لا تخالف بقية روايات حديث أنس فالظاهر أنَّ هذا في عهد النبي وحديث أنس في الصحيحين عن عبد العزيز بن صهيب «أقيمت الصلاة والنبي يناجي رجلًا فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه ثم جاء فصلى بهم» يدل على ذلك سواء قلنا هما حديث واحد أو حديثان والله أعلم.
٣): ابن حزم في المحلى (١/ ٢٢٤) حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: «كان أصحاب رسول الله ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقومون إلى الصلاة» ورواته ثقات.
محمد بن عبد السلام بن ثعلبة الخشني ترجم له الذهبي في السير فقال: الإمام، الحافظ، المتقن، اللغوي، العلامة، أكثر وجود. كان أحد الثقات الأعلام. ويصحح ابن حزم رواية محمد بن سعيد بن نبات عن أحمد بن عون الله عن قاسم بن أصبغ.
لكن قوله: «فيضعون جنوبهم» شاذة تخالف رواية الترمذي ومحمد بن غالب تمتام عن محمد بن بشار وأيضًا تخالف رواية أحمد بن حنبل وعبيد الله بن سعيد عن يحيى القطان وخالد بن الحارث عن شعبة عن قتادة ولها شاهد من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وهي شاذة والله أعلم.
قال ابن هانئ - مسائله عن أحمد (٤٢) - قيل له: حديث أنس ، «إنَّهم كانوا يضطجعون» قال: ما قال هذا شعبة قط. وقال: حديث شعبة: «كانوا ينامون» وليس فيه «يضطجعون» وقال هشام: «كانوا ينعسون» وقد اختلفوا في حديث أنس .
وقال ابن رجب في شرح علل الترمذي (٢/ ٥٠٧) ولا يلتفت إلى رواية الفرد عن شعبة ممن ليس له حفظ ولا تقدم في الحديث من أهل الاتقان.
ثانيًا: خالد بن الحارث: رواه مسلم (٣٧٦) حدثني يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد وهو ابن الحارث، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أنسًا ، يقول: «كان أصحاب رسول الله ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون» قال: قلت: سمعته من أنس قال: إي والله.
الرواية الثالثة: رواية معمر بن راشد: رواه عبد الرزاق (٤٨٣) عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال: «لقد رأيت أصحاب رسول الله يوقظون للصلاة، وإنَّي لأسمع لبعضهم غطيطًا - يعني وهو جالس - فما يتوضؤون». قال معمر: فحدثت به الزهري، فقال رجل عنده: أو خطيطًا، قال الزهري: «لا، قد أصاب غطيطًا» وإسناده صحيح.
جاء في ترجمة معمر من التهذيب قال عبد الرزاق عن معمر: جلست إلى قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة فما سمعت منه حديثًا إلا كأنَّه ينقش في صدري.
لكن قال ابن رجب في الفتح (١/ ٢٩٩) رواية معمر، عن قتادة ليست بالقوية. قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا صغير، فلم أحفظ عنه الأسانيد. قال الدارقطني في العلل: معمر سيء الحفظ لحديث قتادة.
وفي هذه الرواية زيادتان:
الأولى: قوله: «يوقظون للصلاة» وهذه الزياد تفيد استغراقهم في النوم ولم أقف عليها في بقية الروايات فهي زيادة شاذة والله أعلم.
الثانية: قوله: «إنِّي لأسمع لبعضهم غطيطًا» فلا تخالف بقية الروايات فالغطيط يكون أحيانًا أول النوم والله أعلم.
ورواه البيهقي (١/ ١٢٠) أخبرنا أبو حازم الحافظ أخبرنا أبو أحمد الحافظ والدارقطني (١/ ١٣٠) قالا أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز نا محمد بن حميد نا ابن المبارك أنا معمر به وإسناده ضعيف.
محمد بن حميد الرازي وثقه ابن معين في رواية وضعفه في أخرى، وضعفه أحمد والنسائي والجوزجاني، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المقلوبات، وقال ابن وارة: كذاب.
وعبد الله بن محمد هو أبو القاسم الحافظ البغوي. وصحح الحديث الدارقطني
قال الدارقطني: قال ابن المبارك هذا عندنا وهم جلوس ومثله عند البيهقي وقال: وعلى هذا حمله عبد الرحمن بن مهدي والشافعي.
الرواية الرابعة: رواية أبي هلال محمد بن سليم الراسبي: رواه ابن الجعد (٣١٢٥) وأحمد بن منيع - المطالب العالية (١٥٤/ ٣) - ثنا عبد الملك التمار والدارقطني (١/ ١٣٠) قرئ على أبي القاسم بن منيع وأنا أسمع حدثكم طالوت بن عباد والسراج - المسند (٢٢) - حدثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة ثنا سليمان بن حرب والطحاوي في شرح مشكل الآثار (٣٤٤٤) حدثنا محمد قال: حدثنا حجاج قالوا حدثنا أبو هلال عن قتادة، عن أنس قال: «كنا نجيء إلى مسجد رسول الله ، ومنا من ينعس أو ينام فلا نحدث وضوءًا» وإسناده حسن.
أبو هلال الراسبي قال ابن معين صدوق وقال مرة ليس به بأس وليس بصاحب كتاب وقال ابن أبي حاتم أدخله البخاري في الضعفاء وقال أبو داود ثقة ولم يكن له كتاب وقال النسائي ليس بالقوي وقال أحمد بن حنبل يحتمل في حديثه إلا أنَّه يخالف في قتادة وهو مضطرب الحديث وقال البزار احتمل الناس حديثه وهو غير حافظ وقال ابن عدي بعد أنَّ ذكر له أحاديث كلها أو عامتها غير محفوظة وله غير ما ذكرت وفي بعض رواياته ما لا يوافقه عليه الثقات وهو ممن يكتب حديثه. وفي هذا الحديث وافق الثقات في روايته عن قتادة.
وطالوت بن عباد ترجم له في الميزان ولسانه فقال: الصيرفي صاحب تلك النسخة العالية شيخ معمر ليس به بأس قال أبو حاتم صدوق وأمَّا ابن الجوزي فقال من غير تثبت ضعفه علماء النقل. قلت [الذهبي] إلى الساعة افتش فما وقفت بأحد ضعفه … وذكره ابن حبان في الثقات وكناه أبا عثمان وقال الحاكم في التاريخ سئل صالح جرزة عنه فقال شيخ صدوق.
وعبيد الله بن جرير بن جبلة بن أبي رواد العتكي ذكره ابن حبان في ثقاته. وبقية رواته ثقات.
أبو القاسم بن منيع هو عبد الله بن محَمَّد البغوي وعبد الملك التمار هو أبو نصر ابن عبد العزيز القشيرى وشيخ الطحاوي هو ابن خزيمة وشيخه هو حجاج بن منهال. وصحح الحديث الدارقطني.
الرواية الخامسة: رواية سعيد بن أبي عروبة: رواه أبو داود - في مسائله عن أحمد ص: (٤٣٩) - ثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى والبزار (٧٠٧٧) حدثنا ابن مثنى، حدثنا عبد الأعلى وأبو يعلى (٣١٩٩) حدثنا عبيد الله، حدثنا خالد وابن المنذر في الأوسط (١/ ٢٦٠) حدثنا محمد بن نصر، ثنا عبدة بن سليمان يروونه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس ؛ «أنَّ أصحاب رسول الله كانوا يضعون جنوبهم، فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ» ورواته ثقات.
سعيد بن أبي عروبة مختلط لكن رواه عنه عبدة بن سليمان وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وخالد بن الحارث وهم من أحفظ الناس لحديثه.
وابن المثنى هو محمد عبيد الله هو بن عمر القواريري.
لكن هذه الرواية فيها شذوذ من وجهين:
الأول: قوله: «يضعون جنوبهم».
الثاني: قوله: «فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ».
فهاتان الزيادتان تخالفان رواية هشام الدستوائي والمحفوظ من رواية شعبة ومن تقدم ذكرهم ممن رووه عن قتادة. ولوضع الجنوب شاهد من رواية محمد بن عبد السلام الخشني عن محمد بن بشار عن يحيى القطان عن شعبة عن قتادة وتقدم شذوذها.
تنبيه: في المطالب العالية (١٥٤/ ٢) قال البزار: حدثنا ابن المثنى، ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس . ومثله في كشف الاستار (٢٨٢).
قال أبو داود في مسائله ص: (٤٣٨) سمعت أحمد بن محمد بن حنبل، يقول: اختلف شعبة، وسعيد، وهشام في حديث أنس : «كان أصحاب النبي تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون» في اللفظ، وكلهم ثقات. فيفهم منه التوقف وتقدم إنكاره للاضطجاع في رواية شعبة والله أعلم.
قال أبو عبد الرحمن: الذي يترجح لي أنَّ رواية سعيد بن أبي عروبة شاذة فرواية هشام فيها ذكر النوم فقط ولم يختلف عليه وكذلك وافقه شعبة في المحفوظ من روايته إضافة لموافقة معمر وأبي هلال الراسبي عن قتادة فهي المحفوظة من رواية قتادة عن أنس والله أعلم.
قال ابن رجب في شرح علل الترمذي (٢/ ٥٠٣ - ٥٠٧) قال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى بن معين: سعيد بن أبي عروبة أثبت الناس في قتادة … وقال إسحاق بن هانئ: سألت أبا عبد الله قلت: أيما أحب إليك في حديث قتاد: سعيد بن أبي عروبة أو همام أو شعبة أو الدستوائي؟ فسمعته يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي: سعيد عندي في الصدق مثل قتادة، وشعبة ثبت، ثم همام. قلت: والدستوائي؟ قال: والدستوائي أيضًا ....
وقال البرديجي: شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس صحيح، فإذا ورد عليك حديث لسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعًا، وخالفه هشام وشعبة، حكم لشعبة وهشام على سعيد، … قلت [ابن رجب]: مراده أنَّ الحفاظ من أصحاب قتادة ثلاثة: شعبة وسعيد وهشام، والشيوخ من أصحابه مثل حماد بن سلمة وهمام وأبان ونحوهم.
فأما الحفاظ الثلاثة: فإذا روى سعيد حديثًا عن قتادة وخالفه فيه شعبة وهشام فالقول قولهما، وسيأتي فيما بعد قوله [البرديجي]: إنَّ القول قول رجلين من الثلاثة من غير تعيين، وقوله أيضًا: إنَّه إذا روى هشام وسعيد بن أبي عروبة شيئًا وخالفهما شعبة فالقول قولهما .... وقال البرديجي أيضًا: إذا اختلف الثلاثة توقف عن الحديث، وإن انفرد واحد من الثلاثة في حديث نظر فيه، فإن كان لا يعرف متن الحديث إلا من طريق الذي رواه كان منكرًا.

<<  <   >  >>