للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: صلى الصحابة مع النبي فدل ذلك على انعقاد الجماعة باثنين (١).

الدليل السابع: عن مالك بن الحويرث أنَّ رسول الله قال: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» (٢).


(١) انظر: الإحكام في أصول الأحكام (٤/ ٤٤٠).
(٢) الحديث من رواية أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي عن مالك بن الحويرث ورواه عن أبي قلابة أيوب السختياني وخالد الحذاء واختلفا في لفظه:
أولًا: رواية أيوب بن أبي تميمة السختياني: رواه عنه:
١: إسماعيل بن إبراهيم ابن علية: عند أحمد (١٥١٧١) والبخاري (٦٠٠٨) ومسلم (٦٧٤) والنسائي (٦٣٥) وابن خزيمة (٣٩٨) والدارقطني (١/ ٢٧٢) وابن حبان (١٦٥٨) (١٨٧٢).
٢: حماد بن زيد: عند أحمد (٢٠٠٠٦) والبخاري (٨١٩).
٣: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي: عند الشافعي في الأم (١/ ١٥٨) وإسحاق بن راهويه في المسند (٤٠٢١) والبخاري (٦٣١) ومسلم (٦٧٤) وابن خزيمة (٣٩٧).
٤: هيب بن خالد: عند البخاري (٦٢٨) والدارمي (١٢٥١) وفي روايات بعضهم اختصار.
ولفظه: قال مالك بن الحويرث : أتينا النبي ، ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنَّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».
ثانيًا: رواية خالد بن مهران الحذاء: رواه عنه:
١: إسماعيل بن إبراهيم ابن عليه: عند أحمد (١٥١٧٤) وأبي داود (٥٨٩) والنسائي (٦٦٩) والسراج (١٢٥٩) وابن حبان (٢١٢٩) والطبراني في الكبير (١٩/ ٢٨٩).
٢: يزيد بن زريع: عند البخاري (٦٥٨) وابن ماجه (٩٧٩) ولفظه عنهما: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا»
٣: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي: رواه إسحاق بن راهويه المسند (٤٠٢٠) وعنه مسلم (٦٧٤) والبيهقي (٣/ ٦٧) بإسناده عن إسحاق وابن خزيمة (١٥١٠) عن محمد بن بشار يرويانه عن عبد الوهاب عن خالد الحذاء أتيت النبي أنا وصاحب لي، فلما أردنا الإقفال من عنده، قال لنا: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
عبد الوهاب الثقفي قال أبو داود والعقيلي تغير في آخر عمره، قال الذهبي: لكنَّه ما ضر تغيره حديثه، فإنَّه ما حدث بحديث في زمن التغير.
تنبيه: رواه الطبراني في الكبير (١٩/ ٢٨٨) حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، ثنا أبي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث ، قال: أتينا رسول الله في ناس، ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله رحيمًا رقيقًا حليمًا، فظن أنَّا قد اشتقنا أهلنا واشتهيناهم، فسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، فقال: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ وَأَقِيمُوا عِنْدَهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ»، وقال: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».
ومحمد بن إسحاق بن راهويه ثقة لكنَّه خلف في لفظه الثقات ممن رووه عن أبيه وممن رووه عن خالد الحذاء بلفظ التثنية فروايته شاذة والله أعلم.
٤: سفيان الثوري: واختلف عليه في لفظه فرواه:
١): ابن أبي شيبة (١/ ٢١٧) ومحمود بن غيلان عند الترمذي (٢٠٥) وسلم بن جنادة عند ابن خزيمة (٣٩٦) يرويانه عن وكيع، عن سفيان، به قال قدمت على رسول الله أنا وابن عم لي، فقال لنا: «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
٢): إسحاق بن راهويه: عند السراج (١٢٥٤) عن وكيع، ثنا سفيان، به إنَّ رسول الله قال له ولصاحب له: «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَ أَكْبَرُكُمَا».
٣): حاجب بن سليمان: عند النسائي (٦٣٤) (٧٨١) عن وكيع، عن سفيان، به قال: أتيت النبي أنا وابن عم لي - وقال مرة أخرى: أنا وصاحب لي - فقال: «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
فاختلف أصحاب وكيع في بعض لفظه وكذلك خالف وكيع محمد بن يوسف.
٤): محمد بن يوسف الفريابي: عند البخاري (٦٣٠) عن سفيان، قال: أتى رجلان النبي يريدان السفر، فقال النبي : «إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» محمد بن يوسف ثقة أخطأ في شيء من حديث الثوري ووكيع مقدم عليه.
٥: أبو شهاب عبد ربه بن نافع: عند البخاري (٢٨٤٨) قال: «انصرفت من عند النبي ، فقال لنا أنا وصاحب لي: «أَذِّنَا، وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
وأبو شهاب صدوق.
٦: شعبة بن الحجاج: عنه محمد بن جعفر عند أحمد (٢٠٠٠٧) «أتوا النبي هو وصاحب له، أو صاحبان له، فقال أحدهما: صاحبين له أيوب أو خالد، فقال لهما: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا، وَصَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي».
ورواه السراج (١٢٥٥) حدثنا أحمد بن منصور، ثنا النضر بن شميل، أبنا شعبة، «هو وصاحب له» من غير شك.
والنضر بن شميل من أروى الناس عن شعبة ومحمد بن جعفر أحفظ منه لحديث شعبة لكن تُقدم روايةُ النضر بن شميل لأنَّها توافق رواية الجماعة عن خالد الحذاء والله أعلم.
٧: حفص بن غياث: عند ابن خزيمة (٣٩٥) قال «أتيت النبي أنا ورجل فودعنا، ثم قال: «إِذَا سَافَرْتُمَا وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا». وحفص بن غياث ثقة تغير بآخره.
٨: وهب بن بقية: عند ابن حبان (٢١٢٨) قال: «أتيت النبي ، أنا وصاحب لي، فقال: «إذا صَلَّيْتُمَا، فَأَذِّنَا، وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا». وهب بن بقية ثقة.
٩: حماد بن سلمة: عند الطبراني في الكبير (١٩/ ٢٨٨) قال: «إِذَا كُنْتَ مَعَ صَاحِبِكَ فَأَذِّنْ وَأَقِمْ وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
حماد بن سلمة ثقة تغير بآخره.
١٠: مسلمة بن محمد: عند أبي داود (٥٨٩) قال له: أو لصاحب له: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا».
مسلمة بن محمد ضعيف.
فاتفق الرواة عن خالد الحذاء على أصل الحديث «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا».
واختلفوا في بعض ألفاظه ففي بعضها «أتيت النبي أنا وصاحب لي، فلما أردنا الإقفال» وفي بعضها «أنا وابن عم لي، فقال لنا «وفي بعضها» أتى رجلان النبي يريدان السفر وفي بعضها «أنا ورجل فودعنا»، ثم قال:
قال ابن رجب في الفتح (٥/ ٣٦٢) رواية خالد الحذاء عن أبي قلابة تخالف رواية أيوب عن أبي قلابة في ألفاظ عديدة من هذا الحديث.
قال الامام أحمد: لا أعلم أحدًا جاء به إلا خالد - يعني: في الأذان والإقامة في السفر -، وقال: هذا شديد على الناس: انتهى.
ومن الإشكال في الحديث ظاهره يؤذن كل واحد من المسافرين ويقيم وبوب النسائي في الصغرى (٢/ ٢١) وفي الكبرى (١/ ٥٠٨) على ظاهر الحديث ب: إقامة كل واحد لنفسه.
فالذي يترجح لي رواية أيوب السختياني لجلالة قدره فهو أحفظ من خالد الحذاء ومقدم عليه قال أبو حاتم: أيوب السختياني أحب إلى في كل شيء من خالد وهو ثقة لا يسأل عن مثله وأيضًا لم يختلف على أيوب في لفظه بخلاف خالد الحذاء.
وأكثر أهل العلم على الجمع بين الروايات واختلفوا في الجمع:
الأول: يحمل على التعدد: قال القرطبي في المفهم (٢/ ٣٠٠) يحتمل أن يكون في وفادتين أو في وفادة واحدة غير أنَّ ذلك الفعل تكرر منه ومن النبي على ما ذكر والله أعلم. وقال ابن الملقن في التوضيح (٦/ ٣٧٩) يحتمل كما قال القرطبي. وقال عياض في إكمال المعلم (٢/ ٦٥٤) وفدنا على رسول الله فى ناس ونحن شببة متقاربون وفي الآخر: «وفدت على رسول الله أنا وصاحب لي» أن يكونا حديثين فى وفادتين والله أعلم. وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ١١٢) حمل اختلاف ألفاظ الحديث على تعدد القصة وهو بعيد.
الثاني: يحمل على اختلاف الأحوال: قال ابن الملقن في التوضيح (٦/ ٣٨٠) قوله: شببة أو نفر: يحتمل أنَّ ذلك وقت قدومهم على رسول الله وأنَّه لما أراد السفر جاء هو وصاحب له وهو ابن العم، كما جاء في أخرى.
قال أبو عبد الرحمن: وهذا التوجيه أولى من الذي قبله لكن مخرج الحديث واحد فهي قصة واحدة والله أعلم.
وقال الكشميري في فيض الباري (٢/ ٢٣٤) من ههنا اندفع التناقض بين صيغة التثنية والجمع، فإنَّ الأولى محمولة على الطريق، والثانية على بلوغهم إلى وطنهم.
الثالث: الاختلاف من باب الالتفات: قال الكشميري في فيض الباري (٢/ ٢٣٤) الراوي قد يراعي نفسه وابن عمه بالتثنية، وقد يراعي نفسه مع رفقائه، فيأتي بالجمع.
وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ١١٢) قال الكرماني قد يطلق الأمر بالتثنية وبالجمع والمراد واحد كقوله يا حرسي اضربا عنقه وقوله قتله بنو تميم مع أنَّ القاتل والضارب واحد.
الرابع: الاختلاف من تصرف الرواة: قال ابن حجر في الفتح (٢/ ١٤٢) اعترض أيضًا على أصل الاستدلال بهذا الحديث بأنَّ مالك بن الحويرث كان مع جماعة من أصحابه فلعل الاقتصار على التثنية من تصرف الرواة والجواب أنَّهما قضيتان.
وتقدم استبعاد الحافظ ابن حجر لتعدد القصة فاختلف اجتهاده في الجمع بين الروايتين والله أعلم.
وتقدم ترجيح رواية أيوب السختياني بلفظ الجمع على رواية الحذاء بالتثنية والله أعلم.

<<  <   >  >>