للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشاعرُ (١):

أمرْتُك أمرًا حازمًا فعصيْتَني

والمقصودُ من إرسال الرُّسُل طاعةُ المرسل، ولا تحصلُ إلا بامتثال أوامره، واجتنابُ المناهي من تمام امتثال الأوامر ولوازمه، ولهذا لو اجتنبَ المناهي ولم يفعل ما أُمر به لم يكن مطيعًا وكان عاصيًا؛ بخلاف ما لو أتى بالمأمورات وارتكب المناهي؛ فإنه وإن عُدَّ عاصيًا مذنبًا؛ فإنه مطيعٌ بامتثال الأمر عاصٍ بارتكاب النهي؛ بخلاف تارك الأمر؛ فإنه لا يُعَدُّ مطيعًا باجتناب المنهيَّات خاصةً.

الوجه العاشر: أنَّ امتثال الأمر عبوديةٌ وتقرُّبٌ وخدمةٌ، وتلك العبادة التي خُلق لأجلها الخلقُ؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)[الذاريات: ٥٦]، فأخبر سبحانه أنه إنما خلقهم للعبادة، وكذلك إنما أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبهُ ليعبدوه؛ فالعبادة هي الغايةُ التي خُلِقوا لها، ولم يُخلَقوا لمجرَّد الترك؛ فإنه أمرٌ عدميٌّ لا كمال فيه من حيثُ هو عدمٌ؛ بخلاف امتثال المأمور؛ فإنه أمرٌ وجوديٌّ مطلوبُ الحصول.

وهذا يتبيَّنُ بالوجه الحادي عشر: وهو أن المطلوب بالنهي عدم الفعل، وهو أمرٌ عدميٌّ، والمطلوبُ بالأمر إيجادُ فعل، وهو أمرٌ وجوديٌّ، فمتعلقُ الأمر الإيجاد، ومتعلق النهي الإعدام أو العدم، وهو أمرٌ لا كمال فيه؛ إلَّا إذا تضمَّن أمرًا وجوديًّا؛ فإنَّ العدم -من حيثُ هو عدمٌ- لا كمال فيه ولا مصلحةَ؛ إلَّا إذا تضمَّن أمرًا وجوديًّا مطلقًا، وذلك


(١) صدر بيت للحضين بن المنذر في شرح الحماسة للمرزوقي (٢/ ٨١٤) وتمامه: فأصبحتَ مسلوب الإمارة نادما.

<<  <  ج: ص:  >  >>