للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فهو إنَّما هلك بارتكاب المحظور، وهو الشركُ.

قيل: يكفي في الهلاك تركُ نفسِ التوحيد المأمور به وإن لم يأتِ بضدٍّ وجوديٍّ من الشرك، بل متى خلا قلبُهُ من التوحيد رأسًا؛ فلم يُوحِّد اللهَ فهو هالكٌ، وإن لم يَعبُد معه غيرَه، فإذا انضاف إليه عبادةُ غيره؛ عُذِّبَ على تركِ التوحيد المأمور به وفعلِ الشرك المنهيِّ عنه.

يوضِّحه الوجه الثامن: أنَّ المدعوَّ إلى الإيمان إذا قال: لا أُصدِّقُ ولا أكذِّبُ ولا أُحِبُّ ولا أبغضُ ولا أعبده ولا أعبد غيره! كان كافرًا بمجرد الترك والإعراض؛ بخلاف ما إذا قال: أنا أصدِّقُ الرسولَ وأحبُّه وأؤمنُ به وأفعل ما أمرني، ولكنَّ شهوتي وإرادتي وطبعي حاكمةٌ عليَّ لا تَدَعُني أترُكُ ما نهاني عنه، وأنا أعلمُ أنه قد نهاني وكره لي فعل المنهي، ولكن لا صبر لي عنه! فهذا لا يُعَدُّ كافرًا بذلك، ولا حكمُهُ حكمُ الأوَّل؛ فإنَّ هذا مطيعٌ من وجهٍ، وتاركُ المأمور جملةً لا يُعَدُّ مطيعًا بوجهٍ.

يوضِّحُه الوجهُ التاسعُ: أن الطاعة والمعصية إنما تتعلق بالأمر أصلًا وبالنهي تبعًا؛ فالمطيعُ ممتثلُ المأمور، والعاصي تاركُ المأمور:

قال تعالى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾ [التحريم: ٦].

وقال موسى لأخيه: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيتَ أَمْرِي (٩٣)[طه: ٩٢ - ٩٣].

وقال عمرو بن العاص عند موته: أنا الذي أمرْتَني فعصيتُ، ولكن لا إله إلا أنت (١).


(١) انظر طبقات ابن سعد (٤/ ٢٦٠) ومسند أحمد (٤/ ١٩٩ - ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>