للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمة التي هي نهايةٌ وغاية على المقادير التي هي أولٌ وبدايةٌ، ورجوع فروعها إلى أصولها ومبادئها إلى غاياتها، حتى كأنه يشاهد مبادئَ الحكمة وتأسيس القضايا على وفق الحكمة والعدل والمصلحة والرحمة والإحسان، لا تَخرجُ قضية عن ذلك إلى انقضاء الأكوان وانفصال الأحكام يوم الفصل بين العباد وظهور عدله وحكمته وصدق رسله وما أخبرت به عنه لجميع الخليقة؛ إنسِها وجنِّها مؤمنها وكافرها، وحينئذٍ يتبينُ من صفات جلاله ونعوت كماله للخلق ما لم يكونوا يعرفونه قبل ذلك، حتى إن أعرف خلقه به في الدنيا يُثني عليه يومئذٍ من صفات كماله ونعوت جلاله ما لم يكن يُحسِنه في الدنيا (١)، وكما يظهر ذلك لخلقه تظهر لهم الأسباب التي بها زاغ الزائغون وضلَّ الضالون وانقطع المنقطعون، فيكون الفرق بين العلم يومئذٍ بحقائق الأسماء والصفات والعلم بها في الدنيا كالفرق بين العلم بالجنة والنار ومشاهدتهما وأعظم من ذلك.

وكذلك يفهم من العهد: كيف اقتضتْ أسماؤه وصفاته لوجود النبوة والشرائع وأن لا يترك خلقه سُدىً، وكيف اقتضتْ ما تضمنتْه من الأوامر والنواهي، وكيف اقتضتْ وقوعَ الثواب والعقاب والمعاد، وأن ذلك من موجبات أسمائه وصفاته؛ بحيث يُنزَّهُ عما زعم أعداؤُهُ من إنكار ذلك.

ويرى شمولَ القدرة وإحاطتها بجميع الكائنات حتى لا يَشِذَّ عنها مثقال ذرة، ويرى أنه لو كان معه إلهٌ آخرُ لفسدَ هذا العالم، فكانت تفسد السماوات والأرض ومن فيهن، وأنه سبحانه لو جاز عليه النوم أو الموت لتدكدكَ هذا العالم بأسْرِه ولم يثبتْ طرفةَ عين.


(١) كما في حديث الشفاعة الطويل، وقد سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>