للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتذكَّرُ ذنوبَه ثم يَستغفرُ منها. وقال مجاهد: هو الذي إذا ذكَر ذنبَه في الخلاءِ استغفَر منه (١). وقال سعيدُ بن المسيب: هو الذي يُذْنِبُ ثم يتوبُ ثم يُذْنِبُ ثم يتوبُ.

الثانية: أن يكون حفيظًا، قال ابنُ عباس: لِمَا ائتَمَنَهُ الله عليه وافتَرَضَهُ. وقال قتادةُ: حافظٌ لِما استَوْدَعَهُ الله من حقه ونعمته (٢).

ولما كانت النفس لها قوَّتان: قوةُ الطلب وقوةُ الإمساك، كان الأوَّابُ مُستعملًا لقوَّةِ الطلب في رجوعه إلى الله ومَرْضاتِهِ وطاعتِهِ، والحفيظُ مستعملًا لقوَّةِ الحفظِ في الإمساك عن معاصيه ونواهيه؛ فالحفيظُ: المُمْسِكُ نفسه عما حُرِّم عليه، والأوَّابُ: المُقْبِلُ على الله بطاعتِهِ.

الثالثةُ: قولُه: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيبِ﴾ [ق: ٣٣]: يَتضمَّنُ الإقرار بوجودِهِ وربوبيتِهِ وقدرتهِ وعلمِهِ واطلاعِهِ على تفاصيلِ أحوالِ العبدِ، ويَتضمَّنُ الإقرار بكتبِهِ ورسلِهِ وأمرِهِ ونهيِهِ، ويَتضمَّنُ الأقرار بوَعْدِهِ ووَعيدِهِ ولِقائِهِ؛ فلا تَصِحُّ خشيةُ الرحمن بالغيبِ إلَّا بعد هذا كلِّه.

الرابعةُ: قولُه: ﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣)[ق: ٣٣]: قال ابنُ عباس: راجعٌ عن معاصي الله مُقبِلٌ على طاعةِ الله. وحقيقةُ الإنابةِ عُكوفُ القلبِ على طاعةِ الله ومحبَّتِهِ والإقبالِ عليه.

ثم ذكر سبحانه جزاء من قامتْ به هذه الأوصافُ بقوله: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَينَا مَزِيدٌ (٣٥)[ق: ٣٤ - ٣٥].


(١) "وقال مجاهد … استغفر منه" ساقطة من ط.
(٢) انظر هذه الأقوال في تفسير القرطبي (١٧/ ٢٠) والدر المنثور (١٣/ ٦٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>