فإذا لم يشهد ذلك رأى فيه أهلًا ومستحقًّا، فأعجبتْه نفسه، وطغَتْ بالنعمة، وعلَتْ بها، واستطالتْ على غيرها، فكان حظها منها الفرح والفخر؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠)﴾ [هود: ٩ - ١٠]؛ فذمه باليأس والكفر عند الامتحان بالبلاء، وبالفرح والفخر عند الابتلاء بالنعماء، واستبدل بحمد الله وشكره والثناء عليه إذ كشفَ عنه البلاءَ قوله: ﴿ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي﴾، ولو أنه قال: أذهبَ الله السيئاتِ عني برحمته ومنِّه لما ذُمَّ على ذلك، بل كان محمودًا عليه، ولكنه غَفلَ عن المُنعِم بكشفِها ونسبَ الذهابَ إليها وفرح وافتخر.
فإذا علم الله سبحانه هذا من قلب عبدٍ فذلك من أعظم أسباب خذلانه وتخلِّيه عنه؛ فإن محلَّه لا تناسبه النعمة المطلقة التامة؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)﴾ [الأنفال: ٢٢ - ٢٣]، فأخبر سبحانه أن محلَّهم غير قابل لنعمته، ومع عدم القبول ففيهم مانعٌ آخر يمنع وصولها إليهم، وهو تولِّيهم وإعراضهم إذا عرفوها وتحققوها.
ومما ينبغي أن يُعلَم أن أسباب الخذلان من بقاء النفس على ما خُلِقَتْ عليه في الأصل وإهمالها وتخليتها؛ فأسباب الخذلان منها وفيها، وأسباب التوفيق من جَعْلِ الله سبحانه لها قابلةً للنعمة؛ فأسبابُ التوفيق منه ومن فضلِه، وهو الخالق لهذه وهذه؛ كما خلق أجزاءَ الأرض؛ هذه قابلة للنبات وهذه غير قابلة له، وخلق الشجرَ؛ هذه تَقبلُ الثمرة وهذه لا