للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِنْ فُرُوعِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ: إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ، فَلَوْ قَدَّمَ لَهُ غَاصِبٌ طَعَامًا ضِيَافَةً، فَأَكَلَهُ جَاهِلًا، فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، وَيَجْرِيَانِ فِي إتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ جَاهِلًا.

وَفِيهِ صُوَرٌ: مِنْهَا: لَوْ قَدَّمَ لَهُ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ، فَأَكَلَهُ ضِيَافَةً جَاهِلًا، بَرِئَ الْغَاصِبُ فِي الْأَظْهَرِ.

وَمِنْهَا: لَوْ أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ جَاهِلًا، فَهُوَ قَابِضٌ فِي الْأَظْهَرِ.

وَمِنْهَا: لَوْ خَاطَبَ زَوْجَتَهُ بِالطَّلَاقِ جَاهِلًا بِأَنَّهَا زَوْجَتَهُ، بِأَنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ نَكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ، أَوْ وَكِيلُهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ. وَقَعَ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ.

وَمِنْهَا: لَوْ خَاطَبَ أَمَتَهُ بِالْعِتْقِ، كَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ.

وَمِنْ نَظَائِرِهَا: مَا إذَا نَسِيَ أَنَّ لَهُ زَوْجَةً، فَقَالَ: زَوْجَتِي طَالِقٌ. وَمِنْهَا: كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي إعْتَاقِ عَبْدٍ، فَأَعْتَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ عَبْدُ الْمُوَكِّل، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الْوَكِيلِ، نَفَذَ عِتْقُهُ.

قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَلَا يَجِيءُ فِيهِ احْتِمَالُ الْإِمَامِ ; لِأَنَّ هَذَا قَصَدَ قَطْعَ الْمِلْكِ، فَنَفَذَ.

وَمِنْهَا: إذَا قَالَ الْغَاصِبُ، لِمَالِكِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ: أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا، فَأَعْتَقَهُ جَاهِلًا، عَتَقَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي وَجْهٍ: لَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ مِلْكِ نَفْسِهِ.

قُلْت: خَرَجَ عَنْ هَذِهِ النَّظَائِرِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ: مَا إذَا اُسْتُحِقَّ الْقِصَاصُ عَلَى رَجُلٍ، فَقَتَلَهُ خَطَأً، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْمَوْقِعَ.

وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا: مَحْظُورَاتُ الْإِحْرَامِ، الَّتِي هِيَ إتْلَافٌ، كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ، وَالظُّفْرِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ. لَا تَسْقُطُ فِدْيَتُهَا بِالْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ.

وَمِنْهَا: يَمِينُ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، فَإِذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ بِاَللَّهِ، أَوْ الطَّلَاقِ، أَوْ الْعِتْقِ: أَنْ يَفْعَلَهُ، فَتَرَكَهُ نَاسِيًا، أَوْ لَا يَفْعَلُهُ، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِلْحَلْفِ، أَوْ جَاهِلًا أَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، مِمَّنْ يُبَالِي بِيَمِينِهِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، فَقَوْلَانِ فِي الْحِنْثِ، رَجَّحَ كُلًّا الْمُرَجِّحُونَ. وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ عَدَمَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَالْفَتَاوَى.

قَالَ: لِحَدِيثِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» وَهُوَ عَامٌّ، فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهِ، إلَّا مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِهِ، كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ، ثُمَّ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ: مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ عَامِدًا، وَلَا نَاسِيًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْفِعْلِ نَاسِيًا بِلَا خِلَافٍ، لِالْتِزَامِ حُكْمِهِ. هَذَا فِي الْحَلِفِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ.

أَمَّا عَلَى الْمَاضِي، كَأَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فَعَلَهُ فَاَلَّذِي تَلَقَّفْنَاهُ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ.

<<  <   >  >>