للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، فَيَفْعَلَهُ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ، أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ.

وَلِابْنِ رَزِينٍ: فِيهِ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ، سَأَذْكُرُهُ.

وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: أَنَّ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ. فِي النَّاسِي وَمُقْتَضَاهُ، عَدَمُ الْحِنْثِ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: لَوْ جَلَسَ مَعَ جَمَاعَةٍ، فَقَامَ وَلَبِسَ خُفَّ غَيْرِهِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: اسْتَبْدَلْت بِخُفِّك، وَلَبِسْت خُفَّ غَيْرِك، فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ: أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، إنْ قَصَدَ أَنِّي لَمْ آخُذْ بَدَلَهُ كَانَ كَاذِبًا، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا طَلُقَتْ. وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا، فَعَلَى قَوْلَيْ طَلَاقِ النَّاسِي انْتَهَى

وَلَك أَنْ تَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ إجْرَاءِ الْقَوْلَيْنِ الِاسْتِوَاءُ فِي التَّصْحِيحِ، وَابْنُ رَزِينٍ أَبْسَطُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَهَا أَنَا أُورِدُ عِبَارَتُهُ بِنَصِّهَا، لِمَا فِيهَا مِنْ الْفَوَائِدِ.

قَالَ: لِلْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ حَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الْيَمِينِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الطَّلَاق، لَا يَقَعُ طَلَاقَهُ، إذَا كَانَ غَيْرَ مُخْتَارٍ لِذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ الْإِكْرَاهِ، بَلْ طَاوَعَ الْمُكْرِهَ، فِيمَا أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَصِفَتِهِ.

وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ: الْإِكْرَاهُ عَلَى الْيَمِينِ، وَعَلَى التَّعْلِيقِ. وَيَلْتَحِقُ بِالْإِكْرَاهِ فِي ذَلِكَ: الْجَهْلُ الَّذِي يُفْقَدُ مَعَهُ الْقَصْدُ إلَى اللَّفْظِ، مَعَ عَدَمِ فَهْمِ مَعْنَاهُ وَالنِّسْيَانِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ أَصْلًا، أَوْ عَرَفَهُ، ثُمَّ نَسِيَهُ فَهَذَانِ نَظِيرُ الْمُكْرَهِ، فَلَا يَقَعُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِمِثْلِهِ يَمِينٌ.

وَذَلِكَ إذَا حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ اسْمُهُ.

أَمَّا إذَا جَهِلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، أَوْ نَسِيَهُ، كَمَا إذَا دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ، وَجَهِلَ ذَلِكَ الْحَالِفَ أَوْ عَلِمَهُ، ثُمَّ نَسِيَهُ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدَّارِ فَهَذِهِ يَمِينٌ ظَاهِرُهَا تَصْدِيقُ نَفْسِهِ فِي النَّفْيِ، وَقَدْ يَعْرِضُ فِيهَا أَنْ يَقْصِدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ (فِي اعْتِقَادِهِ أَوْ فِيمَا انْتَهَى إلَيْهِ عِلْمُهُ أَيْ: لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَهُ، وَلَا يَكُونُ قَصْدُهُ الْجَزْمَ بِأَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ) فِي الْحَقِيقَةِ، بَلْ تَرْجِعُ يَمِينُهُ إلَى أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ كَذَا، أَوْ يَظُنُّهُ، وَهُوَ صَادِقٌ فِي أَنَّهُ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ، أَوْ ظَانٌّ لَهُ، فَإِنْ قَصَدَ الْحَالِفُ ذَلِكَ حَالَةَ الْيَمِينِ أَوْ تَلَفَّظَ بِهِ مُتَّصِلًا بِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ، أَوْ أَطْلَقَ فَفِي وُقُوع الطَّلَاقِ، وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: مَأْخَذُهُمَا: أَنَّ النِّسْيَانَ، وَالْجَهْلَ هَلْ يَكُونَانِ عُذْرًا لَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا كَانَا عُذْرًا فِي بَابِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، أَمْ لَا يَكُونَانِ عُذْرًا، كَمَا لَمْ يَكُونَا عُذْرًا فِي غَرَامَاتِ الْمُتْلَفَاتِ؟

وَيُقَوِّي إلْحَاقَهُمَا بِالْإِتْلَافَاتِ، بِأَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ أَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا.

<<  <   >  >>