للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَدْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، فَهُوَ كَالْجَانِي خَطَأً.

وَالْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِصِيغَةِ التَّعْلِيق، كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ فِي الدَّارِ، فَزَوْجَتِي طَالِقٌ، إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا، فَقَدْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ، الَّذِي عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَّا لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ فِي الدَّارِ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا فِي عَدَمِ كَوْنِهِ فِي الدَّارِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ صِيغَةِ التَّعْلِيقِ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، لَقَدْ خَرَجَ زَيْدٌ مِنْ الدَّارِ. وَكَقَوْلِهِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَيْسَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ. فَهَذَا إذَا قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ، جَرَى مَجْرَى التَّعْلِيقِ وَإِلَّا لَوَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، وَإِذَا جَرَى مَجْرَى التَّعْلِيق، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: الْجَهْلُ، وَالنِّسْيَانُ، وَالْإِكْرَاهُ، أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ أَوْ دُخُولِ زَيْدٍ الدَّارَ، أَوْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَإِذَا دَخَلَهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا، أَوْ مُكْرَهًا، فَإِنْ جَرَّدَ قَصْدَهُ عَنْ التَّعْلِيقِ الْمَحْضِ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُل السُّلْطَانُ الْبَلَدَ الْيَوْمَ، أَوْ لَا يَحُجُّ النَّاسُ فِي هَذَا الْعَامِ. فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَالْحِنْثِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ. وَقَعَ ذَلِكَ عَمْدًا، أَوْ نِسْيَانًا، اخْتِيَارًا، أَوْ مَعَ إكْرَاهٍ، أَوْ جَهْلٍ.

وَإِنْ قَصَدَ بِالْيَمِينِ تَكْلِيفَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَرَى مُخَالَفَتَهُ مَعَ حَلِفِهِ أَوْ قَصَدَ بِالْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ رَادِعَةً عَنْ الْفِعْلِ، فَالْمَذْهَبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا إذْ رَجَعَتْ حَقِيقَةُ هَذِهِ الْيَمِينُ إلَى تَكْلِيفِ نَفْسِهِ ذَلِكَ، أَوْ تَكْلِيفِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَالنَّاسِي لَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ، وَكَذَلِكَ الْجَاهِلُ.

وَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا فَالْإِكْرَاهُ لَا يُنَافِي التَّكْلِيفَ، فَإِنَّا نُحَرِّمُ عَلَى الْمُكْرَهِ الْقَتْلَ وَنُبِيحُ لَهُ الْفِطْرَ فِي الصَّوْمِ، وَإِذَا كَانَ مُكَلَّفًا - وَقَدْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ - فَيَظْهَرُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْحِنْثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلْحَاقًا بِالْإِتْلَافِ، لِتَحَقُّقِ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، إذْ لَفْظُ التَّعْلِيقِ عَامٌّ يَشْمَلُ فِعْلَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مُخْتَارًا، وَمُكْرَهًا وَنَاسِيًا وَجَاهِلًا وَذَاكِرًا لِيَمِينٍ وَعَالِمًا، وَبِهَذَا تَمَسَّكَ مَنْ مَالَ إلَى الْحِنْثِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ. لَكِنَّا إنَّمَا اخْتَرْنَا عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِمَا ; لِأَنَّ قَصْدَ التَّكْلِيفِ يَخُصُّهُمَا، وَيُخْرِجُهُمَا عَنْ الدُّخُولِ تَحْتَ عُمُومِ اللَّفْظِ، فَلَا يَنْهَضُ ; لِأَنَّ مَخْرَجَ الْإِكْرَاهِ لِكَوْنِهِ لَا يُنَافِي التَّكْلِيفَ، كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا مَا تَرَجَّحَ عِنْدِي فِي الصُّورَةِ الَّتِي فَصَّلْتُهَا، وَبَقِيَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ: مَا إذَا أَطْلَقَ التَّعْلِيقَ وَلَمْ يَقْصِدْ تَكْلِيفًا وَلَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ الْمَحْضَ بَلْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ

<<  <   >  >>