فَهَذِهِ الصُّورَةُ: هِيَ الَّتِي أَطْلَقَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ فِيهَا الْقَوْلَيْنِ.
وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالِانْتِصَارِ وَالرَّافِعِيُّ، عَدَمَ الْحِنْث وَعَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ.
وَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ الصَّلَاحِ: يَخْتَارُ وُقُوعَهُ وَيُعَلِّلُهُ بِكَوْنِهِ مَذْهَبَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَبِعُمُومِ لَفْظِ التَّعْلِيقِ ظَاهِرًا، لَكِنَّ قَرِينَةَ الْحَثِّ وَالْمَنْعِ تَصْلُحُ لِلتَّخْصِيصِ وَفِيهَا بَعْضُ الضَّعْفِ.
وَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفَ صَاحِبُ الْحَاوِي، وَمَنْ حَكَى عَنْهُ التَّوَقُّفَ مِنْ أَشْيَاخِهِ فِي ذَلِكَ.
فَاَلَّذِي يُقَوِّي التَّخْصِيصَ: أَنْ يَنْضَمَّ إلَى قَرِينَةِ الْحَثِّ، وَالْمَنْعِ: الْقَصْدُ لِلْحَثِّ، وَالْمَنْعِ، فَيُقَوِّي حِينَئِذٍ التَّخْصِيصَ كَمَا اخْتَرْنَاهُ، وَالْغَالِبُ: أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ مِنْ أَفْعَالِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَرْتَدِعُ مِنْهُ يَقْصِدُ الْحَثَّ أَوْ الْمَنْعَ فَيُخْتَارُ أَيْضًا: أَنْ لَا يَقَعَ طَلَاقُهُ بِالْفِعْلِ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، إلَّا أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الْحَثِّ أَوْ الْمَنْعِ بِقَصْدِ التَّعْلِيقِ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا، فَيَقَعُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا بِوُجُودِ الْفِعْلِ. وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ وُقُوعُ طَلَاقِهِ بِالنِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ إلَّا عِنْدَ قَصْدِ الْحَثِّ أَوْ الْمَنْعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ.
وَمَا جُزِمَ بِهِ مِنْ الْحِنْثِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ: الْحَلِفُ عَلَى الْمَاضِي نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا: ذَكَرَهُ بِحُرُوفِهِ الْقَمُولِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ جَازِمًا بِهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ.
وَقَالَ: إنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ وَبِتَصْحِيحِ الْحِنْثِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، فَإِذَا جَمَعْت بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ حَصَلَتْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
ثَالِثُهَا: الْحِنْثُ فِي الْمَاضِي دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَمُتَابِعُوهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
تَنْبِيهٌ
مِنْ الْمُشْكِلِ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ: وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ فَفَعَلَ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ مُكْرَهًا، لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَظْهَرِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ وَعَلِمَ بِهِ ; فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَيَقَعُ قَطْعًا.
وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ قَوْلَهُ " وَأَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ " مَا إذَا لَمْ يُبَالِ بِتَعْلِيقِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ. وَمَا إذَا عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُبَالِ، وَمَا إذَا بَالَى وَلَمْ يَعْلَمْ، وَالْقَطْعُ بِالْوُقُوعِ فِي الثَّالِثَةِ مَرْدُودٌ.
وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: كَيْفَ يَقَعُ بِفِعْلِ الْجَاهِلِ قَطْعًا، وَلَا يَقَعُ بِفِعْلِ النَّاسِي عَلَى الْأَظْهُرِ، مَعَ أَنَّ الْجَاهِلَ أَوْلَى بِالْمَعْذِرَةِ مِنْ النَّاسِي؟
وَقَدْ بَحَثَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْبَاجِيُّ فِي ذَلِكَ هُوَ وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْكَتَّانِيُّ فِي دَرْسِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ، وَكَانَ ابْنُ الْكَتَّانِيِّ مُصَمِّمًا عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَالْبَاجِيِّ فِي مُقَابِلِهِ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّ كَلَامَ الْمِنْهَاجِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الزَّوْجُ مُجَرَّدَ التَّعْلِيقِ، وَلَمْ يَقْصِدْ إعْلَامَهُ لِيَمْتَنِعَ.
وَقَدْ أَرْشَدَ الرَّافِعِيُّ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ وَعِبَارَةَ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِ