وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ. كَمَا ذَكَرُوا، وَمَنْ أَطْلَقَهَا، فَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: لَيْسَ لِلْوَاقِفِ تَبْدِيلُ مَنْ شَرَطَ لَهُ النَّظَرَ حَالَ إنْشَاءِ الْوَقْفِ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَبْدِيلِهِ.
وَلَوْ عَزَلَ النَّاظِرُ الْمُعَيَّنَ حَالَ إنْشَاءِ الْوَقْفِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ نَصْبُ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا نَظَرَ لَهُ بَعْد أَنْ جَعَلَ النَّظَرَ فِي حَالِ الْوَقْفِ لِغَيْرِهِ، بَلْ يُنَصِّبُ الْحَاكِمُ نَاظِرًا انْتَهَى. وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ " أَعْنِي إذَا عَزَلَ النَّاظِرُ الْمُعَيَّنُ نَفْسَهُ " أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ، وَضَمَّ إلَى ذَلِكَ الْمُدَرِّسَ الَّذِي شَرَطَ تَدْرِيسَهُ فِي الْوَقْفِ، أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ: وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ مُؤَلَّفًا، فَعَلَى هَذَا يَكُون لَازِمًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَيُضَمُّ إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
وَقِيلَ: إنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ فِيهِ أَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْن أَصْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا: الْوَكَالَةُ ; لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ، فَيَنْعَزِلُ. وَالثَّانِي: وِلَايَةُ النِّكَاح ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ، فَلَا يَنْعَزِلُ.
وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ: أَنَّ الْقَيِّمَ الَّذِي نَصَّبَهُ الْوَاقِفُ لَا يُبَدَّلُ بَعْدَ مَوْتِهِ، تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْوَصِيِّ، فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِع. وَكَأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ مُسْتَنِدُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، لَكِنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ الْأَوْصِيَاءِ بِلَا سَبَبٍ، بِخِلَافِ الْقُوَّامِ ; لِأَنَّهُمْ نُوَّابُهُ.
وَفِي الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الْغَنِيمَةِ، عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، وَأَقَرَّهُ: أَنَّهُ إذَا أَرَادَ وَلِيُّ الْأَمْرِ إسْقَاطَ بَعْضِ الْأَجْنَادِ الْمُثْبَتِينَ فِي الدِّيوَانِ بِسَبَبٍ جَازَ، أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: فَيُقَيَّد بِهَذَا مَا أَطْلَقْنَاهُ فِي الْوَقْفِ: مِنْ جَوَازِ عَزْلِ النَّاظِرِ وَالْمُدَرِّسِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِسَبَبٍ. نَعَمْ أَفْتَى جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: مِنْهُمْ الْعِزُّ الْفَارُونِيُّ، وَالصَّدْرُ بْنُ الْوَكِيلِ وَالْبُرْهَانُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ، وَالْبُلْقِينِيُّ، بِأَنَّهُ حَيْثُ جَعَلْنَا لِلنَّاظِرِ الْعَزْلَ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَيَانُ مُسْتَنَدِهِ. وَوَافَقَهُمْ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّين الْمَقْدِسِيُّ، لَكِنْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ النَّاظِرُ مَوْثُوقًا بِعِلْمِهِ وَدِينِهِ.
وَقَالَ فِي التَّوْشِيحِ: لَا حَاصِلَ لَهَذَا الْقَيْدِ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ نَاظِرًا، وَإِنْ أَرَادَ عِلْمًا وَدِينًا زَائِدَيْنِ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاظِرُ فَلَا يَصِحُّ، ثُمَّ قَالَ: فِي أَصْلِ الْفُتْيَا نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّاظِرَ لَيْسَ كَالْقَاضِي الْعَامِّ الْوِلَايَةُ، فَلِمَ لَا يُطَالَبُ بِالْمُسْتَنَدِ. وَقَدْ صَرَّحَ شُرَيْحٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ: بِأَنَّ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ إذَا ادَّعَى صَرْفَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute