النَّفَل صَحَّ عَلَى الْأَرْجَح.
وَلَا أَثَر لِمَا وُجِدَ مِنْ مُوَافَقَة أَوَّل الْإِسْلَام الطُّلُوع، كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَاب فِي صُورَة أَنْ يَطْلُع وَهُوَ مَجَامِع وَيَعْلَم بِالطُّلُوعِ فِي أَوَّله، فَيَنْزِع فِي الْحَال أَنَّهُ لَا يَبْطُل الصَّوْم فِيهَا عَلَى الْأَصَحّ، فَحِينَئِذٍ تِلْكَ اللَّحْظَة الَّتِي كَانَتْ وَقْت الطُّلُوع هِيَ الْمُرَادَة بِالتَّصْوِيرِ وَذَلِكَ قَبْل الْحُكْم بِالْإِسْلَامِ، وَالْأَخْذ فِي الْإِسْلَام لَيْسَ بَقَاءً عَلَى الْكُفْر، كَمَا أَنَّ النَّزْع لَيْسَ بَقَاءً عَلَى الْجِمَاعِ، وَلَا يَصِحّ مِنْهُ صَوْم الْفَرْض وَالْحَالَة هَذِهِ ; لِأَنَّ التَّبْيِيت شَرْط، فَإِنْ بَيَّتَ وَهُوَ كَافِر، ثُمَّ أَسْلَمَ كَمَا صَوَّرْنَا.
قَالَ: فَهَلْ لِهَذِهِ النِّيَّةِ أَثَر؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَيَجُوز أَنْ يُقَال: الشُّرُوط لَا تُعْتَبَر وَقْت النِّيَّة كَمَا قَالُوا فِي الْحَائِض: تَنْوِي مِنْ اللَّيْل قَبْل انْقِطَاع دَمهَا، ثُمَّ يَنْقَطِع الْأَكْثَر أَوْ الْعَادَة، فَلَا يُحْتَاج إلَى التَّجْدِيد، وَيَجُوز أَنْ يُقَال: يُعْتَبَر شَرْط الْإِسْلَام وَقْت النِّيَّة ; لِأَنَّ الْمُعْتَادَةَ عَلَى يَقِين مِنْ الِانْقِطَاع لِأَكْثَر الْحَيْض، وَعَلَى ظَنّ قَوِيٍّ لِلْعَادَةِ بِظُهُورِهَا، وَلَيْسَ فِي إسْلَام الْكَافِر يَقِين وَلَا ظَاهِر، فَكَانَ مُتَرَدِّدًا حَالَ النِّيَّة، فَيَبْطُل الْجَزْم، كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَة أَوْ لَهَا عَادَة مُخْتَلِفَة، وَلَوْ اتَّفَقَ الطُّهْر بِاللَّيْلِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ.
قَالَ: وَمِمَّا يُنَاظِر ذَلِكَ: مَا إذَا نَوَى سَفَر الْقَصْر وَهُوَ كَافِر فَإِنَّهُ تُعْتَبَر نِيَّته، فَإِذَا أَسْلَمَ فِي أَثْنَاء الْمَسَافَة قَصَرَ عَلَى الْأَرْجَح. اهـ.
الشَّرْط الثَّانِي: التَّمْيِيز: فَلَا تَصِحّ عِبَادَة صَبِيّ، لَا يُمَيِّز وَلَا مَجْنُون: وَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الطِّفْل يُوَضِّئهُ الْوَلِيّ لِلطَّوَافِ حَيْثُ يُحْرِم عَنْهُ، وَالْمَجْنُونَة يُغَسِّلهَا الزَّوْج عَنْ الْحَيْض، وَيَنْوِي عَلَى الْأَصَحّ.
وَمِنْ فُرُوع هَذَا الشَّرْط: مَسْأَلَة عَمْدهَا فِي الْجِنَايَات هَلْ هُوَ عَمْد أَوْ لَا؟ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّر مِنْهُمَا الْقَصْد، وَصَحَّحُوا أَنَّ عَمْدهمَا عَمْد، وَخَصَّ الْأَئِمَّة الْخِلَاف بِمَنْ لَهُ نَوْع تَمْيِيز، فَغَيْر الْمُمَيِّز مِنْهُمَا عَمْده خَطَأٌ قَطْعًا.
وَنَظِير ذَلِكَ: السَّكْرَان لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْحَدَثِ حَتَّى يَسْتَغْرِق دُون أَوَّل النَّشْوَة، وَكَذَا حُكْم صَلَاته وَسَائِر أَفْعَاله.
الشَّرْط الثَّالِث: الْعِلْم بِالْمَنْوِيِّ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْره: فَمَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّة الْوُضُوء أَوْ الصَّلَاة لَمْ يَصِحّ مِنْهُ فِعْلهَا، وَكَذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْض الصَّلَاة فَرْض وَلَمْ يَعْلَم فَرْضِيَّة الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَإِنْ عَلِمَ الْفَرْضِيَّة وَجَهِلَ الْأَرْكَان، فَإِنْ اعْتَقَدَ الْكُلّ سُنَّة أَوْ الْبَعْض فَرْضًا وَالْبَعْض سُنَّة وَلَمْ يُمَيِّزهَا لَمْ تَصِحّ قَطْعًا، أَوْ الْكُلّ فَرْضًا فَوَجْهَانِ: أَصَحّهمَا الصِّحَّة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَر مِنْ أَنَّهُ أَدَّى سُنَّة بِاعْتِقَادِ الْفَرْض وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّر.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الَّذِي لَا يُمَيِّز الْفَرَائِض مِنْ السُّنَن تَصِحّ عِبَادَته، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِد التَّنَفُّلَ بِمَا هُوَ فَرْضٌ، فَإِنْ قَصَدَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ التَّفْصِيلِ فَنِيَّةُ الْجُمْلَةِ كَافِيَةٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute