قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَغَيْر الْوُضُوء وَالصَّلَاة فِي مَعْنَاهُمَا، وَقَالَ فِي الْخَادِمِ: الظَّاهِر أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط ذَلِكَ فِي الْحَجّ، وَيُفَارِق الصَّلَاة، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَط فِيهِ تَعْيِين الْمَنْوِيّ ; بَلْ يَنْعَقِد مُطْلَقًا وَيَصْرِفهُ بِخِلَافِ الصَّلَاة، وَيُمْكِن تَعَلُّم الْأَحْكَام بَعْد الْإِحْرَام بِخِلَافِ الصَّلَاة، وَلَا يُشْتَرَط الْعِلْم بِالْفَرْضِيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى النَّفَل انْصَرَفَ إلَى الْفَرْض.
وَمِنْ فُرُوع هَذَا الشَّرْط: مَا لَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الطَّلَاق بُلْغَةٍ لَا يَعْرِفهَا وَقَالَ قَصَدْت بِهَا مَعْنَاهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَقَع الطَّلَاق فِي الْأَصَحّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَمْ أَعْلَم مَعْنَاهَا وَلَكِنْ نَوَيْت بِهَا الطَّلَاقَ وَقَطْعَ النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يَقَع، كَمَا لَوْ خَاطَبَهَا بِكَلِمَةٍ لَا مَعْنَى لَهَا وَقَالَ: أَرَدْت الطَّلَاق وَنَظِير ذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِق طَلْقَة فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَالَ: أَرَدْت مَعْنَاهُ عِنْد أَهْل الْحِسَاب ; فَإِنْ عَرَفَهُ وَقَعَ طَلْقَتَانِ، وَإِنْ جَهِلَهُ فَوَاحِدَة فِي الْأَصَحّ، لِأَنَّ مَا لَا يُعْلَم مَعْنَاهُ لَا يَصِحّ قَصْده.
وَنَظِيره أَيْضًا: أَنْ يَقُول: طَلَّقْتُك مِثْل مَا طَلَّقَ زَيْدٌ، وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ طَلَّقَ زَيْدٌ، وَكَذَا لَوْ نَوَى عَدَد طَلَاق زَيْدٍ وَلَمْ يَتَلَفَّظ.
وَنَظِير أَنْتِ طَالِق طَلْقَة فِي طَلْقَتَيْنِ قَوْل الْمُقِرِّ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَم فِي عَشَرَة، فَإِنَّهُ إنْ قَصَدَ الْحِسَاب يَلْزَمهُ عَشَرَة، كَذَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا، وَقَيَّدَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنْ يَعْرِفهُ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَيُشْبِه لُزُومَ دِرْهَمٍ فَقَطْ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَا يُرِيدُهُ الْحِسَابُ، عَلَى قِيَاسِ مَا فِي الطَّلَاقِ انْتَهَى، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَنَظِير طَلَّقْتُك مِثْل مَا طَلَّقَ زَيْدٌ: بِعْتُك بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَان فَرَسه، وَهُوَ لَا يَعْلَم قَدْره فَإِنَّ الْبَيْع لَا يَصِحّ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ فَلَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ التَّيَمُّمِ بَطَلَ، أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَمْ يَبْطُلَا ; لِأَنَّ أَفْعَالَهُمَا غَيْرُ مُرْتَبِطَةٍ بِبَعْضِهَا، وَلَكِنْ لَا يُحْسَبُ الْمَغْسُولُ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ ; وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لِضَعْفِهِ ; وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.
وَأَمَّا الْأَجْرُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ وَإِنْ عَادَ فَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهَا تُحْبِطُ أَيْضًا ; وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهَا إنَّمَا تُحْبِطُ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ ; بَلْ فِي الْأَسَالِيبِ لَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا فَحَجُّهُ وَعِبَادَتُهُ بَاقِيَةٌ وَتُفِيدُهُ الْمَنْعَ مِنْ الْعِقَابِ ; فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا لَعُوقِبَ عَلَى تَرْكِهَا وَلَكِنْ لَا تُفِيدُهُ ثَوَابًا ; لِأَنَّ دَارَ الثَّوَابِ الْجَنَّةُ وَهُوَ لَا يَدْخُلُهَا وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ خِلَافًا فِي الْكَافِرِ يُؤْمِنُ ثُمَّ يَرْتَدُّ أَنَّهُ يَكُونُ مُطَالَبًا بِجَمِيعِ كُفْرِهِ، وَأَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْإِيمَانَ السَّابِقَ. قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِيمَانِ كَمَنْ لَمْ يَكْفُرْ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْد أَنْ ارْتَفَعَ حُكْمُهُ قَالَ. وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ مَنْ تَابَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ عَاوَدَ الذَّنْبَ، هَلْ يَقْدَحُ فِي صِحَّةٍ التَّوْبَةِ الْمَاضِيَةِ؟ وَالْمَشْهُورُ: لَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute