للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولسفكُ دمي عليَّ أهونُ مما فعلت، فخذ ما دفعته لك فإني غنيٌّ عنه، فضحك وقال: أردت أن تكذّبني في مقالي هذا! والله لا أخذته ولا آخذ لمعروف ثمناً أبداً، ومضى لسبيله، فوالله لقد طلبته بعد أن أمنت، وبذلت لمن يجيء به ما شاء فما عرفت له خبراً، وكأن الأرض ابتلعته. . ألا ترى معي أن ما فعله هذا الجُنديّ الفقير إن لم يفق به معن بن زائدة وأشباه معن بن زائدة، في باب المروءة والفتوة والنجدة والكرم وعبقرية الروح فإنه لا يقل عنهم!

جُهْدُ المُقِلِّ إذا أعطاكَ نائلَهُ ... ومُكْثرٌ من غِنًى سِيَّانِ في الجُودِ

فهو كما قال الشاعر:

ولَمْ يكُ أكْثرَ الفِتيانِ مالاً ... ولكن كانَ أرْحَبَهمْ ذِراعا

ومن هنا حثوا على الجود والمروءة والتسخي حتى في حالة العسر والضيق فمن ذلك ما قرأناه منسوباً لبُزُرْ جِمِهْرَ أو ليحيى بن خالد البرمكي أو لامرأة من العرب توصي به ابنها، وهو: إذا أقبلت عليك الدُّنيا فأنفق، فإنَّها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك فأنفق فإنَّها لا تبقى. أخذه بعض الشعراء فقال:

وأنْفِقْ إذا أنفقتَ إنْ كنْتَ مُوسِراً ... وأَنفِقْ على ما خيَّلَت حينَ تُعْسِرُ

فلا الجودُ يُفْني المالَ والجَدُّ مقْبلٌ ... ولا البخلُ يُبقي المالَ والجَدُّ مُدْبرُ

وقال الآخر في معناه:

لا تَبْخَلنَّ بدُنْيا وهي مُقْبِلةٌ ... فليس يَنْقُصُها التَّبْذيرُ والسَّرَفُ