للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حل حل. (١) فقال الناس: خلأت القصواء، خلأت القصواء. (٢) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما خلأت القصواء، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، ثم قال: والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة (٣) يعظمون بها حرمات الله (٤) إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد (٥) قليل الماء يتبرضه الناس تبرضاً، فلم يلبثه الناس أن نزحوه.

قال البراء بن عازب - رضي الله عنه -: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة - والحديبية بئر - فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة فشكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش، فانتزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهما من كنانته (٦) ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل في قليب (٧) من تلك القلب فغرزه فيه، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شفير (٨) البئر، ثم قال: "ائتوني بدلو من مائها"، فأتي به، فتمضمض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، ثم مجه في البئر ودعا. ثم قال: "دعوها ساعة ". فتركناها غير بعيد، ثم استقينا فجاش الماء بالرواء، حتى ضرب الناس عنه بعطن (٩)، حتى روينا وروت ركائبنا حتى ارتحلنا.

قال عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله عنه -: هبط ثمانون رجلاً من أهل مكة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يوم الحديبية من جبل التنعيم متسلحين عند صلاة الفجر يريدون غرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ليقتلوهم، فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الله - عز وجل - بأبصارهم، فقدمنا إليهم فأخذناهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل جئتم في عهد أحد، أو هل جعل لكم أحد أماناً؟ "، قالوا: لا، فخلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبيلهم، فأنزل الله - عز وجل -: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم، وكان الله بما تعملون بصيراً}.


(١) حل: صوت تزجر به الدابة لتحمل على السير.
(٢) خلأت: بركت من غير علة. و خَلَأَ: إذا بَرَكَ فلم يَقم. والقصواء: الناقة المقطوعة الأذن، وكان ذلك لقباً لناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل أنها لم تكن مقطوعة الأذن، وقال بعضهم بل مقطوعة.
(٣) أي: خصلة.
(٤) أي: من ترك القتال في الحرم.
(٥) أي: حفيرة فيها ماء قليل، يقال: ماء مثمود: أي قليل، فيكون لفظ قليل بعد ذلك تأكيدا، لدفع توهم أن يراد لغة من يقول: إن الثمد الماء الكثير.
وقيل: الثمد: ما يظهر من الماء في الشتاء، ويذهب في الصيف.
(٦) الكنانة: جعبة صغيرة من جلد، تحمل فيها السهام.
(٧) القليب: البئر التي لم تطو.
(٨) الشفير: الجانب والناحية.
(٩) العَطَنُ: مَبْرَكُ الإِبِلِ، يَقُولُ: حَتَّى رَوِيَتِ الإِبِلُ فَأَنَاخَتْ.

<<  <   >  >>