للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة - وكانوا عيبة نصح (١) لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل تهامة - فقال: إني تركت كعب بن لؤي (٢)، وعامر بن لؤي نزلوا أعداد (٣) مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل (٤) وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم (٥) الحرب فأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة (٦)، ويخلوا بيني وبين الناس (٧) فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا (٨) وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره (٩) "، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فرجعوا إلى قريش، فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد، وإن محمدا لم يأت لقتال، إنما جاء زائراً لهذا البيت، معظما لحقه، فاتهموهم - وكانت خزاعة في عيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلمها ومشركها، لا يخفون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا كان بمكة - قالوا: وإن كان إنما جاء لذلك، فلا والله لا يدخلها أبداً علينا عنوة، ولا تتحدث بذلك العرب، ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف، أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذا رجل غادر "، فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو مما كلم به أصحابه، ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعثوا إليه الحلس بن علقمة الكناني - وهو يومئذ سيد الأحابيش - فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذا من قوم يعظمون الهدي؛ فابعثوا الهدي في وجهه"، فبعثوا الهدي، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله،


(١) العيبة: ما توضع فيه الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له، والأمانة على سره، كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر، بالعيبة التي هي مستودع الثياب.
(٢) إنما اقتصر على ذكر هذين، لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع، ترجع أنسابهم إليهما.
(٣) الأعداد: جمع عد، وهو الماء الذي لا انقطاع له، وقول بديل هذا يشعر بأنه كان بالحديبية مياه كثيرة، وأن قريشا سبقوا إلى النزول عليها، فلهذا عطش المسلمون حيث نزلوا على الثمد المذكور.
(٤) العوذ: جمع عائذ، وهي الناقة ذات اللبن، والمطافيل: الأمهات اللاتي معها أطفالها، يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل، ليتزودوا بألبانها، ولا يرجعوا حتى يمنعوه، أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال، والمراد أنهم خرجوا منهم بنسائهم وأولادهم، لإرادة طول المقام، وليكون أدعى إلى عدم الفرار، ويحتمل إرادة المعنى الأعم، وسميت كل أنثى بذلك وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها، لأنها تعطف عليه بالشفقة والحنو، كما قالوا: تجارة رابحة، وإن كانت مربوحا فيها.
(٥) (نهكتهم) بكسر الهاء أي: أبلغت فيهم حتى أضعفتهم، إما أضعفت قوتهم وإما أضعفت أموالهم.
(٦) أي: جعلت بيني وبينهم مدة يترك الحرب بيننا وبينهم فيها.
(٧) أي: من كفار العرب وغيرهم.
(٨) أي: إن أظهر أنا على غيرهم، فإن شاءوا أطاعوني، وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جموا، أي: استراحوا وقووا.
(٩) أي: في نصر دينه.

<<  <   >  >>