للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أول السورة ومبتدئها إلى هذا الموضع خبرا عن المشركين من عبدة الأوثان، وكان قوله: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} موصولا بذلك غير مفصول منه، لم يجز لنا أن ندعي أن ذلك مصروف عما هو به موصول، إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل. أهـ‍ (١).

ونصر ابن كثير اختيار الطبري، قال: والأول -[يعني أنه خبر عن المشركين]- أظهر؛ لأن الآية مكية، واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء، وقريش - والعرب قاطبة - كانوا يبعدون إرسال رسول من البشر، كما قال: {أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ} [يونس: ٢] وقال تعالى: {وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ} {الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً} {(٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي} {الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً} (٩٥) [الإسراء: ٩٤ - ٩٥] وقال ها هنا: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٩١]. اهـ‍ (٢).

٢ - ومن أمثلة هذه القاعدة - أيضا - ما جاء في تفسير قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها} [النحل: ٨٣].

قال الطبري: اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالنعمة التي أخبر الله - تعالى ذكره - عن هؤلاء المشركين أنهم ينكرونها، مع معرفتهم بها، فقال بعضهم: هو النبي صلّى الله عليه وسلّم عرفوا نبوّته ثم جحدوها وكذبوه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدّد الله - تعالى ذكره - في هذه السورة من النعم من عند الله، وأن الله هو المنعم بذلك عليهم، ولكنهم ينكرون ذلك، فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم.

وقال آخرون: إنكارهم إياها أن يقول الرجل: لولا فلان ما كان كذا وكذا، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا.


(١) جامع البيان (٧/ ٢٦٨)، وط‍: شاكر (١١/ ٥٢٤ - ٥٢٥).
(٢) تفسير القرآن العظيم (٣/ ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>