للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل وجه، فهو عندهم ما احتمل أمرين هو في أحدهما أظهر من الآخر (١). وهو في مقابل النص - وهو ما يفيد بنفسه من غير احتمال (٢). فالظاهر في هذه القاعدة قد يكون تارة هو الظاهر في اصطلاح الأصوليين، وقد يكون أخرى هو النص في اصطلاحهم.

وقد استعمل لفظ‍ «الظاهر» عند المتكلمين استعمالا يخالف ما كان عليه السلف، وما أريد به في القاعدة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وأمّا سؤاله عن «إجراء القرآن على ظاهره» فإنه إذا آمن بما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم، من غير تحريف ولا تكييف فقد اتبع سبيل المؤمنين.

ولفظ‍ «الظاهر» في عرف المتأخرين قد صار فيه اشتراك، فإن أراد بإجرائه على الظاهر الذي هو من خصائص المخلوقين حتى يشبّه الله بخلقه فهذا ضال، بل يجب القطع بأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله. فقد قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. يعني أن موعود الله في الجنة من الذهب، والحرير، والخمر، واللبن، تخالف حقائقه حقائق هذه الأمور الموجودة في الدنيا، فالله - تعالى - أبعد عن مشابهة مخلوقاته بما يدركه العباد، ليست حقيقته كحقيقة شيء منها.

وأمّا إن أراد بإجرائه على الظاهر الذي هو الظاهر في عرف سلف الأمة، لا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يلحد في أسماء الله - تعالى -، ولا يقرأ القرآن والحديث بما يخالف تفسير سلف الأمة وأهل السنة، بل يجرى ذلك على ما اقتضته النصوص وتطابق عليه دلائل الكتاب والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة، فهذا مصيب في ذلك وهو الحق. اهـ‍ (٣).

فالظاهر في هذه القاعدة هو مدلول النصوص المفهوم بمقتضى الخطاب العربي (٤).


(١) التمهيد في أصول الفقه (١/ ٧)، وروضة الناظر مع شرحها (٢/ ٣٠).
(٢) روضة الناظر مع شرحها (٢/ ٢٧).
(٣) مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٧٩).
(٤) انظر الموافقات (٣/ ٣٨٣، ٣٩١) وجامع البيان تحقيق شاكر (١/ ٧٢) هامش رقم (٢) ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (١/ ٣٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>