للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبّهوا أولا الخالق بالمخلوق فجعلوا صفاته كصفاتهم، فجعلوا ظواهر الكتاب والسنة التشبيه فأوّلوها ليخرجوا من ذلك.

وهذا قول باطل أملته الأهواء والعقول الفاسدة، ولا دلالة عليه من كتاب أو سنة، والحق الذي لا مرية فيه أن كل ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم فظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات المخلوقين، فلا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق، وبين شيء من صفات المخلوقين، كما هو الحال في الذات. وليس هذا موطن القوم (١)، وإنما أردت التنبيه على أصل الشبهة والتي من أجلها أوّلوا ظواهر الكتاب والسنة.

وكتب التفسير إضافة إلى كتب العقائد مليئة بهذه التأويلات لصفات الباري - سبحانه -، ليس المقام مقام سردها وبسطها، وإنما المقصود مطلق المثال، يبيّن من خلاله مخالفة بعض المفسرين لظاهر القرآن والسنة.

فمن أمثله ذلك، الآيات الدالة على صفة اليدين لله - تعالى -، كقوله تعالى:

{مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ} [المائدة: ٦٤].

قال القاضي عبد الجبار الهمداني (٢): والمراد بذلك: أن نعمتيه مبسوطتان على العباد، وأراد به نعمة الدين والدنيا، والنعمة الظاهرة والباطنة، وقد يعبر باليد عن النعمة فيقال: لفلان عندي يد وأياد ويد جسيمة. اهـ‍ (٣).


(١) ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم «درء تعارض العقل والنقل» في الرد عليهم، وانظر مجموع الفتاوى (٦/ ٣٥٥ - ٣٧٣)، و (٥/ ٣٣ - ١٦٦ - ١٦٨ - ١٧٠ - ١٧٢) وغير هذه المواضع كثير، والتدمرية ص ٦٩ وما بعدها، وأضواء البيان (٢/ ٣١٩ - ٣٢٠). وللقاضي أبي يعلى كتاب خاص بذلك مترجم ب‍ «إبطال التأويلات لأخبار الصفات» طبع جزء منه. وقد ضمّن بعض أهل السنة كتبهم في العقائد الرد على المخالفين لهم، كما فعل ابن أبي العز في شرح الطحاوية، السفاريني.
(٢) هو: عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني أبو الحسن، إمام أهل الاعتزال في زمانه، له مصنفات منها التفسير، توفي سنة خمس عشرة وأربعمائة. طبقات الشافعية (٥/ ٩٧)، وطبقات المفسرين (١/ ٢٦٢).
(٣) متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (١/ ٢٣١) تحقيق عدنان زرزور.

<<  <  ج: ص:  >  >>