للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن القواعد التي تؤيد هذه القاعدة فيما قررته في هذا المثال، قاعدة. «يجب حمل نصوص الوحي على الحقيقة» - وسيأتي الحديث عنها إن شاء الله - فاليد في الصفة حقيقة وفي غيرها مجاز (١).

ولا يجوز صرفها من الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل واضح، وتعذر حمل اللفظ‍ على الحقيقة. وهنا لا دليل، وليس متعذرا حملها على الحقيقة فالله أعلم بنفسه من خلقه، فهو الذي وصف نفسه بذلك فنحن نثبتها، كما أثبتها الله لنفسه.

قال أبو عمر ابن عبد البر (٢): أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيّفون شيئا من ذلك، ولا يحدّون فيه صفة محصورة، وأمّا أهل البدع، الجهمية والمعتزلة كلها، والخوارج، فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله، وسنة رسوله، وهم أئمة الجماعة. اهـ‍ (٣). والكلام في باقي الصفات كالكلام في هذه الصفة، فباب الصفات واحد.

رابعا: أقوال بعض المفسرين التي ليست مما سبق وخالفوا فيها القاعدة:

فمن أمثلة ذلك قولهم (٤) في تفسير قول الله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤] إن كل شيء فيه روح يسبح، وما لا روح فيه فلا يسبح،


(١) انظر البحر المحيط‍ (٤/ ٣١٣).
(٢) هو: يوسف بن عبد الله ابن عبد البر الأندلسي، حافظ‍ المغرب وشيخ الإسلام. صاحب التصانيف الفائقة، قال الذهبي فيه: وكان في أصول الديانة على مذهب السلف، لم يدخل علم الكلام اهـ‍ توفي.
سنة ثلاث وستين وأربعمائة. سير أعلام النبلاء (١٥٣/ ١٨).
(٣) التمهيد (٧/ ١٤٥).
(٤) انظر هذه الأقوال في زاد المسير (٥/ ٣٩)، والمحرر الوجيز (١٠/ ٣٠٠)، والبحر المحيط‍ (٧/ ٥٤)، وغيرها من كتب التفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>