للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على جذوع من نخل، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر فكان عليه، فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده عليها فسكنت» (١).

فهذه الأحاديث وغيرها صريحة في إثبات تسبيح الجمادات وكلامها، كشفه الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم ولبعض أصحابه، وهو عن كثير من الناس محجوب. فهذا يشهد لصحة قول من جعل التسبيح عاما لجميع الخلق.

ويشهد لهذه القاعدة - أيضا - فيما رجحته في هذا المثال، قاعدة «يجب حمل نصوص الوحي على العموم ما لم يرد نص بالتخصيص».

فقوله: {مِنْ شَيْءٍ} عموم لا يجوز تخصيصمه إلا بدليل واضح يجب الرجوع إليه، ولا دليل هنا، فوجب حمله على العموم. ومن جعل قوله: {مِنْ شَيْءٍ}

عموما، ومعناه الخصوص في كل حيّ ونام (٢)، فقوله مرجوح بهذه القاعدة، وهو مرتهن بإقامة الحجة على دعواه.

قال الشوكاني: ومدافعة عموم هذه الآية بمجرّد الاستبعادات ليس دأب من يؤمن بالله - سبحانه - ويؤمن بما جاء من عنده. اهـ‍ (٣).


(١) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، حديث (٣٥٨٥) وأخرجه كذلك عن ابن عمر في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام حديث (٣٥٨٣) بلفظ‍ مقارب انظر الصحيح مع الفتح (٦/ ٦٩٦).
(٢) انظر الجامع لأحكام القرآن (١٠/ ٢٦٦).
(٣) فتح القدير (٣/ ٢٣١).
* ونظائر هذا المثال كثيرة جدا، سوف أسرد جملة منها، أذكر جزءالآية الذي وقع فيه الخلاف ثم أحيل على المرجع الذي ذكر الخلاف وبيّن الترجح بالقاعدة.
١ - فمنها ما جاء في تفسير قوله تعالي وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) [البقرة: ٤٥]. انظر جامع البيان (١/ ٢٦١)، والبحر المحيط‍ (١/ ٢٩٩)، وروح المعاني (١/ ٢٤٩).
٢ - ومنها ما جاء في تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) [البقرة: ٦٥]، انظر جامع البيان (١/ ٣٣٢)، وتفسير ابن كثير (١/ ١٥١ - ١٥٣). -

<<  <  ج: ص:  >  >>