للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونص على هذا العلاّمة ابن القيم في جملة من وجوه الترجيح في ترجيح أحد الأقوال فقال: الوجه الثاني: أن هذا مروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو كان من الغرائب فإنه يصلح للترجيح. اهـ‍ (١).

فإن عارض الحديث الضعيف وجوها للترجيح أقوى منه فلا يصار إليه، وعلى ذلك عمل الأئمة، فهذا الإمام الطبري كثيرا ما يختار قولا مخالفا للحديث الضعيف اعتمادا على وجوه أخرى للترجيح، ثم يردف ذلك بقوله: ولو كان الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صحيحا لم نعده إلى غيره، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه. اهـ‍ (٢). ونحو ذلك من العبارات المؤدية إلى أن الذي منعه من المصير إلى الحديث هو ضعفه، فعدل عنه إلى غيره من وجوه الترجيح وإن خالف ترجيحها ما يرجحه الحديث الضعيف من الأقوال.

فإن انفرد الحديث الضعيف، ولم يعضده أو يعارضه أيّ وجه من وجوه الترجيح فالترجيح به سائغ، كما سبق في كلام ابن القيم، وكما يوحي به عمل فقهاء الأمة، فهم يقدمون الحديث الضعيف على الرأي، وما أحسن كلمة الإمام أحمد - رحمه الله -: ضعيف الحديث خير من الرأي (٣). فهم يخرّجون على الحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب ما يدفعه، وعلى هذا مذاهب الأئمة (٤).

فكذلك هنا إذا لم يوجد أيّ وجه من وجوه الترجيح إلا هذا الحديث الضعيف فالترجيح به سائغ غير أنه ليس تحت هذه القاعدة؛ ولكن تحت القاعدة التالية؛ لأن هذه القاعدة ملزمة بالمصير إلى الحديث، ولا يلزم ذلك في الحديث الضعيف. أما


(١) تحفة المودود ص ٢٠، وانظر ترجيح العلاّمة الشنقيطي بالحديث الضعيف متعاضدا مع وجوه أخرى للترجيح في أضواء البيان (٢/ ٨٩)، و (٤/ ٢٤٨ - ٢٤٩)، و (٧/ ٥٦٠).
(٢) جامع البيان (١٦/ ١١٤)، وانظر (٤/ ١٨)، و (٩/ ١١٨)، (٢٢/ ١٤٢) منه.
(٣) انظر فتاوى ابن تيمية (١٨/ ٥٢).
(٤) انظر العدة لأبي يعلى (٣/ ٩٣٨)، والمسودة ص ٢٧٣، وإعلام الموقعين (١/ ٣١ - ٧٧)، وقواعد في علوم الحديث ص ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>