للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك المروي - الذي ليس للرأي فيه مجال - من الإسرائيليات التي أخذها عن أهل الكتاب، وهو موجود في مرويات بعض الصحابة، كمسلمة أهل الكتاب، وعبد الله بن عمرو (١)، وابن عباس، وابن مسعود، وأبي هريرة، وغيرهم - رضي الله عنهم -


= إلا النبي صلّى الله عليه وسلّم أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة؛ فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني. اهـ‍.
ومما يدل على عدم دقة هذا التقييد أنهم ضربوا أمثلة لهذا الباب، عن بعض الصحابة الذين أخذوا عن أهل الكتاب كابن مسعود وابن عباس، وعلي وغيرهم فإذا كان القيد متعلقا بالقائل لما صح لهم التمثيل بأقوال هؤلاء ويزيد الأمر وضوحا وجلاء عمل الأمة، فإنها قبلت أقوالا لبعض الصحابة ممن أخذ عن أهل الكتاب وتلقتها بالقبول، كقول ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [البقرة: ٢٥٥]، قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله.
روى هذا الأثر عن ابن عباس وكيع في تفسيره - بواسطة نقل ابن كثير في تفسيره (١/ ٤٥٧) - والحاكم في المستدرك (٢/ ٢٨٢) وقال: صحيح على شرط‍ الشيخين ولم يخرجاه. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٣٢٣) عن الطبراني وقال. ورجاله رجال الصحيح.
فابن عباس من الذين أخذوا عن أهل الكتاب وتلقت الأمة قوله هذا بالقبول. فإذا تقرر هذا، فإنه - أيضا - يرد إشكال على الروايات التي من قبيل الإسرائيليات وهي من قول من لم يكثر منهم. فبأي قيد أخرجت من قول الصحابي فيما لا مجال للاجتهاد فيه؟
لم أجد - على طول بحث وسؤال - من دفع هذا الإشكال ابتداء أو جوابا عنه، ولو ظفرت به لطرت به فرحا، ولما زاد نسبة المسألة إليه إلا توثيقا وفصلا فيها، فبحثت - على ضعفي وقلّة بضاعتي - عن أقوى الوجوه في ذلك، فرأيت أن تعلق القيد بالقول لا بالقائل أدق من الناحية التطبيقية، فإذا كان القول مما لا مجال للاجتهاد فيه ولم يكن من الإسرائيليات كان له حكم الرفع.
وعمل الأئمة يوحي بهذا فنجدهم يقبلون أقوالا - مما لا مجال للرأي فيها - لمن أخذ عن أهل الكتاب - كقول ابن عباس السابق - ويحكمون على أخرى عنهم بأنها من الإسرائيليات وهي كثيرة مشهورة.
فالذي اختلف في الحالين القول لا القائل، فتعين تعليق القيد به. فإن قال قائل: وكيف يمكن معرفة الروايات الإسرائيلية من غيرها؟
فالجواب: أن أهل الحديث هم أهل الشأن في الكشف عنها، كما كشفوا عن علل الحديث في المتون والأسانيد، وهي خفية غامضة جدا. فقد يكون الكشف عن الإسرائيليات أيسر وأسهل من الكشف عن علل الحديث الخفية.
(١) هو: عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي، أسلم قبل أبيه، ويقال لم يكن بين مولدهما إلا اثنتي عشرة سنة، له مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم، حمل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم علما جما، وعن بعض الصحابة، وكان كثير القيام والصيام والتلاوة. توفي سنة خمس وستين، وقيل غير ذلك. سير أعلام النبلاء (٣/ ٧٩)، والإصابة، (٤/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>