للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الإثبات، فإن الباري - سبحانه - في نفسه ذات لا ماهية له تعرف وتدرك وتثبت في شاهد العقل، ولا ورد ذكرها في نقل، وإذا ارتفع عنه إثبات الماهية، امتنع عنه المثل، فالنفار من قولنا «يد» مع هذه الحال، كالنفار من قولنا «ذات» ولا فرق بينهما في الإثبات، فإذا أقروا بالذات لزمهم الإقرار باليد التي هي صفة تناسب الذات فيما ثبت لها.

وإن قالوا: من جهة أنه اقترن بها قرينة تدل على صلاحية نقلها عن حقيقتها إلى مجازها، فذلك محال من جهات:

إحداها: أن إضافة الفعل - «الخلق» - إلى اليد على الإطلاق لا يكون إلا والمراد به يد الصفة، وهذا توكيد لإثبات الصفة الحقيقة، ومحال أن يجتمع مؤكد للحقيقة مع قرينة ناقلة عن الحقيقة.

والثانية: أن القرائن قد ذكرناها، وهو أنه إذا أريد باليد النعمة قال: لفلان عندي يد، فعندي قرينة تدل على النعمة، وإذا أريد بها القدرة قال لفلان عليّ يد ف‍ «عليّ» هي القرينة الدالة على القدرة، وكلاهما معدومان ههنا.

والثالثة: أن الخصم يدعي أن الداعي إلى ذلك ما يقتضيه الشاهد من إثبات العضو والجارحة والجسمية والبعضية والكمية والكيفية الداخل على جميع ذلك فحصل مثل وشبيه، وقد بينا أن ذلك محال في حقه؛ لأن نسبة اليد إليه - تعالى - كنسبة الذات إليه، على ما تقرر، فإذا ارتفع هذا بطل السبب المعارض للحقيقة النافي لإثباتها الموجب لإبدالها بالمجاز.

وإن قالوا: إن المحل الذي أضيفت إليه اليد - وهو ذات الباري - لا يصلح لإثبات اليد الحقيقة، فهذا محال، من جهة أنا قد اتفقنا على أن ذات الباري تقبل إضافة الصفات الذاتية على سبيل الحقيقة كالوجود والعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من صفات الإثبات على ما قدمناه (١).


(١) نقض تأسيس الجهمية (١/ ٤١ - ٤٣) مختصرا، وانظر الصواعق المرسلة (١/ ٢٦٩). -

<<  <  ج: ص:  >  >>