للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الذي يعنينا في هذه القاعدة فهو ما سوى ذلك - أعني سوى ما دلّ الدليل على حذفه - فإذا لم يقم دليل على الحذف، فلا تصح دعواه، لما فيه من مخالفة الأصل دون دليل، ومثل هذا لا يرد في كلام العرب، ولا يحسن فيه، وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب معرفته (١).

قال العز بن عبد السلام: … والعرب لا يحذفون ما لا دلالة عليه ولا وصلة إليه؛ لأن حذف ما لا دلالة عليه مناف لغرض وضع الكلام من الإفادة والإفهام

اه‍ (٢).

وهو - أيضا - لا يرد في كلام من يريد البيان والهدى، فإن الإضمار إذا سلط‍ على الكلام أفسد التخاطب وأبطل التكاليف، ولم يفهم أحد مراد أحد، إذ يمكنه أن يضمر كلمة تغيّر المعنى، ولا يدل المخاطب عليها، وباب الإضمار لا ضابط‍ له فكل من أراد إبطال كلام متكلم ادعى فيه إضمارا يخرجه عن ظاهره، وبمثل هذا حرفت كثير من النصوص من قبل المبتدعة والباطنية والزنادقة، فمثل هذا الإضمار باطل، يعلم انتفاؤه قطعا (٣).

ومنه - أعني مما يعنينا في القاعدة - إذا احتمل الكلام الإضمار وعدمه، فحمله على عدم الإضمار أولى، لموافقته الأصل، وظاهر الخطاب؛ ولأنه هو الموافق لقصد البيان والهدى.

قال العلاّمة ابن القيم: النوع الثالث -[أي من أنواع الإضمار]- كلام يحتمل الإضمار ويحتمل عدمه فهذا إذا قام الدليل على أن المتكلم به عالم ناصح مرشد، قصده البيان والهدى والدلالة والإيضاح بكل طريق، وحسم مواد اللبس ومواقع الخطأ، وأن هذا هو المعروف المألوف من خطابه وأنه اللائق بحكمته لم يشك السامع


(١) الخصائص (٢/ ٣٦٠).
(٢) الإشارة إلي الإيجاز ص ٢.
(٣) انظر الصواعق المرسلة (٢/ ٧١١) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>