للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك في صحة مذهب السلف في هذا، غير أني ذكرت هذا الخلاف في تفسير الآية؛ لأنه مذكور في جلّ كتب التفسير، خاصة المتأخرة منها، وحتى أبين دور القاعدة - التي نحن بصدد عرضها - في الترجيح في مثل هذا الخلاف، وإن كانت دلائل الكتاب، والسنة وأقوال الصحابة، والتابعين تغني عنها - وذلك أن دعوى الحذف والإضمار في هذه الآية وأمثالها من آيات الصفات باطل؛ لأنه لا دليل عليه من ألفاظ‍ الآية وسياقها ولا من دلائل الكتاب والسنة، والذين ذهبوا إلى تقدير محذوف فيها، إنما ذهبوا إلى هذا لأجل ما اعتقدوه من نفي هذه الصفة وغيرها من صفات الأفعال عن الله - تعالى -، ومستندهم في ذلك العقل، فإنه يحيل عندهم اتصاف الباري - سبحانه - بهذه الصفة قال الرازي في تفسير هذه الآية: واعلم أنه ثبت بالدليل العقلي أن الحركة على الله - تعالى - محال؛ لأن كل ما كان كذلك كان جسما والجسم يستحيل أن يكون أزليا فلا بد من التأويل، وهو أن هذا من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه اهـ‍ (١).

فأنت ترى السبب الذي جعله يقول بأن هذه الآية من باب حذف المضاف، وكذلك جعلها العز بن عبد السلام (٢)، والزركشي (٣) - وغيرهم من أهل التأويل - ودليلهم جميعا على الحذف هو دلالة العقل على استحالة اتصاف الله بهذه الصفة، وهو دليل ظاهر البطلان، فلا تعارض نصوص الكتاب والسنة بالعقل الفاسد، وأمّا العقل الصحيح الذي استنار بنور الكتاب والسنة فلا يجد تعارضا مع الكتاب والسنة، ويتّبع في اعتقاده الكتاب والسنة.

وأمّا الذين يتبعون الكتاب والسنة لما اعتقدوه فهم يحرفون الكلم عن مواضعه ويلوون النصوص بالإضمار والتقدير وغيرها حتى توافق ما اعتقدوه وما رأوه حسنا.


(١) مفاتيح الغيب (٣١/ ١٧٤).
(٢) انظر الإشارة إلى الإيجاز ص ٤.
(٣) انظر البرهان (٣/ ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>