للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتفصيلا وأنه لا يقع في القرآن فيه اطراح لأقوال هؤلاء وأمثالهم، وفي النفس هنات من ذلك، ولكن الأولى هو الترجيح الذي هو من باب تقديم الأرجح والأولى دون اطراح للأقوال المرجوحة، قد يكون لبعضها وجه ولو بعيد، ومما يزيد الأمر جلاء ووضوحا أن أبا حيان وهو القائل بمنع التقديم والتأخير - الذي هو من هذا النوع - في القرآن، مضطرب في ذلك، فتارة يرد ويطرح القول بالتقديم والتأخير بناء على ما قرر، وتارة تجده يرجح الأصل وهو الترتيب، وإن أجاب على القول بالتقديم والتأخير فبعبارة لطيفة توحي بثبوته قولا في تفسير الآية، ولا توجب اطراحه، وإن كان ضعيفا (١)، وربما ذكر القول بالتقديم والتأخير ولم يعقب عليه بشيء (٢).

وأيّا كان الأمر، فإذا لم توجد قرينة تدل على التقديم والتأخير، وتنازع العلماء في الآية، فالصحيح هو حمل الآية على الترتيب، ومن قال أو اختار التقديم والتأخير - ولو كان ممن يقرر هذه القاعدة كالطبري (٣) وابن عطية (٤) والرازي (٥) وأبي حيان وغيرهم - فقوله واختياره محجوج بهذه القاعدة، وقوله واختياره هو المؤخّر والمضعّف، والقول بالترتيب هو المقدم والمصحح، والله أعلم.

***


(١) قال في البحر (٦/ ٣٦٢): قال الفراء وجماعة: في الكلام تقديم وتأخير … ، ولا يحتاج في هذا المعنى إلى تقدير تقديم وتأخير، اه‍ فترى تضعيفه لهذا القول بهذه العبارة «ولا يحتاج» ولم يذكر أنه من الضرورات، ولا يأتي في فصيح الكلام.
(٢) كما فعل عند تفسير قوله تعالى: إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [آل عمران ٥٥]، قال: قال الفراء: هي وفاة موت، ولكن المعنى: متوفيك في آخر أمرك عند نزولك وقتلك الدجال، وفي الكلام تقديم وتأخير. اه‍ انظر البحر المحيط‍ (٣/ ١٧٦)، وانظر قول الفراء في معاني القرآن (١/ ٢١٩).
(٣) انظر بعض أقواله واختياراته خلاف القاعدة في جامع البيان (١/ ٦٤ - ١٤٥ - ٤٥٢)، و (٨/ ١١٧)، و (٢٧/ ٤٤).
(٤) انظر مثلا اختياره خلاف القاعدة في المحرر الوجيز (٦/ ١٤٣).
(٥) انظر مثلا اختياره خلاف القاعدة في مفاتيح الغيب (١٣/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>