للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما التقديم والتأخير الذي يعنينا في هذه القاعدة، فهو دعوى التقديم والتأخير في كلام لم ينصب عليه دليل في الكلام، ولا أرشدت إليه قرينة، ويخل بفهم أصل المعنى، «فإرادة التقديم والتأخير بمثل هذا الخطاب خلاف البيان، وأمر المخاطب بفهمه تكليف لما لا يطاق» (١).

فمثل هذه الدعوى في التقديم والتأخير هي التي نعني، وهي التي تضعّف وتؤخر، والذي يصحح ويرجح إبقاء الكلام على ترتيبه ونظمه، وهذا النوع من التقديم والتأخير خفي، تنازع فيه العلماء، بين مجيز لوقوعه في القرآن كالقائلين به - على ما سيأتي في الأمثلة التطبيقية إن شاء الله تعالى - ومانع لوقوعه في القران مطلقا كأبي حيان (٢)، وسالك سبيل التوسط‍ بين ذلك، كما هو حال كثير من المفسرين، وهذا هو الحق، وهو ما تقرره هذه القاعدة، من أن تضعيف القول به من باب الترجيح وتقديم الراجح - وهو القول بالترتيب - وذلك لأن التقديم والتأخير له أصل في اللغة والقرآن، وقد أثر عن بعض الصحابة وعلى رأسهم حبر الأمة وترجمان القرآن، ابن عباس (٣) وعن بعض التابعين وعلى رأسهم من إذا جاءك التفسير عنه كفاك، مجاهد بن جبر (٤)، وقتادة (٥) وغيرهم.

وهؤلاء كانوا أعلم بلغة العرب وبلغة القرآن وتفسيره، فالقول بردّه مطلقا جملة


(١) ما بين الأقواس من كلام شيخ الإسلام في الفتاوى (١٦/ ٢١٨).
(٢) فهو يرى أن التقديم والتأخير - أي هذا النوع الذي نتكلم عليه - من باب الضرورات التي تنتشر في الشعر، ينزه أفصح الكلام عنه، قال - في معرض ردّه على القول بالتقديم والتأخير في قوله تعالى:
فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة: ٢٦٥] والتقديم والتأخير من ضرورات الشعر فينزه القرآن عن ذلك.
اه‍ البحر المحيط‍ (٢/ ٦٧٠) وذكر ذلك في أكثر من موضع من كتابه، انظر الأمثلة التطبيقية.
(٣) انظر مثلا قوله بالتقديم والتأخير في جامع البيان (١٠/ ١٥٣)، و (١٨/ ١١٠ - ١١٢)، وتأويل مشكل القرآن ص ٢٠٨، والإتقان (٣/ ٣٣).
(٤) انظر مثلا قوله بالتقديم والتأخير في البحر المحيط‍ (٦/ ٣٦٢).
(٥) انظر مثلا قوله بالتقديم والتأخير في جامع البيان (١٠/ ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>