للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (٢٩) [الجاثية: ٢٨ - ٢٩] على أقرب الأقوال في تفسير {كِتابِهَا} (١)، حيث أخبر - سبحانه - أن كل أمة تدعى إلى كتابها الذي فيه أعمالها، ومنها قوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ} [الكهف: ٤٩]، وقوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} (١٤) [الإسراء: ١٣ - ١٤]، ونحوها من الآيات.

ورجح الحافظ‍ ابن كثير، والقاسمي هذا القول بمضمون هذه القاعدة، قال القاسمي:

ورجح ابن كثير - رحمه الله - القول أن الإمام هو كتاب الأعمال … -[ثم ذكر الآيات]- وما رجحه - رحمه الله - هو الصواب؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، وأول ما ينبغي الاهتمام به في معاني الآيات، هو الرجوع إلى نظائرها اهـ‍ (٢).

ومن القواعد التي دلت على ترجيح هذا القول قاعدة: «إذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجّح له على ما خالفه» حيث جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ}

قال: «يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمدّ له في جسمه ستون ذراعا … » الحديث (٣).


(١) ومما يرجح أن الكتاب في هذه الآية - أعني آية الجاثية - هو كتاب الأعمال قوله تعالى: بعده:
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) [الجاثية: ٢٨ - ٢٩].
(٢) محاسن التأويل (١٠/ ٣٩٥٢).
(٣) أخرجه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الإسراء (٥/ ٢٨٢)، وقال: حسن غريب، والحاكم في المستدرك (٢/ ٢٤٢ - ٢٤٣) وصححه، ووافقه الذهبي، وابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، باب إخباره صلّى الله عليه وسلم عن البعث وأحوال الناس (١٦/ ٣٤٦).
وضعّفه الألباني في ضعيف الترمذي حديث رقم (٦١٠)، وفي ضعيف الجامع (٦٤٢٤). فعلى القول بتصحيح الحديث أو تحسينه فهو حجة واضحة في ترجيح هذا القول، وعلى القول بضعفه فهو يصلح للترجيح وقرينة قوية فيه خاصة وقد عضدته في ذلك وجوه أخرى، وقد سبق بسط‍ الكلام على الترجيح بالحديث الضعيف في قاعدة: «إذ ثبت الحديث وكان نصا في تفسير الآية فلا يصار إلى غيره» فلينظر هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>