للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا تقرر هذا فأول القواعد التي تتصف بهذا الوصف هي القواعد التي ترجّح التفسير الأثري - وأعني به تفسير القرآن بالقرآن وتفسيره بالسنة -، فهي مقدمة عند التنازع على كل قاعدة ترجح تفسيرا اجتهاديا؛ لأن الله - تعالى - أعلم بما نزّل ورسوله صلّى الله عليه وسلّم مكلّف بييان ما نزّل - كما هو مقرر في مواضعه - «والتفسير الأثرى إذا صح لا يعارض بتفسير الرأي والاجتهاد، وبظواهر الألفاظ‍؛ لأنه إما أن يكون للرأي مستند من الوحيين أو لا، فإن كان الأول فلا يتعارض وحيان، وإن كان الآخر فلا يعدو أن يكون اجتهادا مستندا إلى القرائن والأمارات لا يقوى على معارضة ما كان مستنده القرآن والسنة» (١). فإذا كان ذلك كذلك فقاعدة «إذا ثبت الحديث وكان نصا في تفسيرالآية فلا يصار إلى غيره» لا تعارض بأي قاعدة أخرى، فإن نازعتها قاعدة أخرى في مثال ما، فهي المقدمة على غيرها مطلقا.

وإنّ الاحتجاج بالظواهر والقياسات والاجتهادات وترجيحها مع الإعراض عن تفسير النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه طريق أهل البدع، كما نص على ذلك الأئمة (٢).

وسيأتي بيان ذلك في مواضعه من هذا الكتاب.

فمن أمثلة هذا التنازع، منازعة قاعدة «إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عن ذلك» وقاعدة «توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها» للتفسير النبوي الثابت الصريح في تفسير قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: ١٠٨] فما قبله وما بعده عن أهل قباء، وكذا الضمائر في الآية غير محل النزاع تعود إلى مسجد قباء.

والتفسير النبوي بيّن أن المراد مسجده صلّى الله عليه وسلّم (٣).


(١) انظر مناهل العرفان (٢/ ٦٤) والإسرائيليات في كتب التفسير لأبي شهبة ص ١٢٠.
(٢) انظر الإيمان لابن تيمية ص ٣٧٥.
(٣) كما في حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: قال أبي: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: «فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال: هو مسجدكم هذا» لمسجد المدينة». أخرجه مسلم، كتاب الحج، حديث رقم (٥١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>