للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرها، فهذا عبد الله بن الزّبعرى قد فهم «ما» في جاهليته جميع من عبد، ووافقه على ذلك قريش وهم العرب الفصحاء، واللسن البلغاء، ولو لم تكن للعموم لما صح أن يستثنى منها، وقد وجد ذلك فهي للعموم وهذا واضح اهـ‍ (١).

٢ - ومن أدلة هذه القاعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قررها بقوله وفعله، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في قضايا خاصة سئل فيها أهي لنا خاصة أم للناس عامّة؟: «بل للناس عامة» كما في قضية الذي نزلت فيه {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ} [هود: ١١٤] وأشباهها، وقد جعل نفسه - عليه الصلاة والسلام - قدوة للناس (٢).

وسيأتي الكلام على هذا الدليل في قاعدة: «العبرة بعموم اللفظ‍ لا بخصوص السبب».

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الحمر الأهلية: «ما أنزل عليّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذّة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (٨) [الزلزلة: ٧ - ٨]» (٣)، فاستدل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم «من» لما لم يذكر له حكم؛ لأن السائل سأل عن صدقة الحمر وليس لها حكم خاص، فهذا استدلال بالعموم وإثبات لصيغته خلافا لمن أنكر أو وقف، وفيه تحقيق لإثبات العمل بظواهر العموم وأنها ملزمة حتى يدل دليل التخصيص (٤).

٣ - ومن أدلة هذه القاعدة إجماع سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم على إجراء ألفاظ‍ الكتاب والسنة على العموم إلا ما دل الدليل على تخصيصه، وقد ثبت أنهم كانوا يطلبون دليل الخصوص لا دليل العموم (٥).


(١) الجامع لأحكام القرآن (١١/ ٣٤٣).
(٢) الموافقات (٣/ ٥١ - ٥٢).
(٣) متفق عليه من حديث أبي هريرة، البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الخيل لثلاثة … انظر الصحيح مع الفتح (٦/ ٧٥)، ومسلم كتاب الزكاة، حديث رقم (٢٤).
(٤) انظر فتح الباري (٦/ ٧٧)، وتفسير النصوص (٢/ ٦٤ - ٦٥).
(٥) انظر العدة لأبي يعلى (٢/ ٤٩٢)، وكشف الأسرار (١/ ٦١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>