للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخصوص (١). وهما سواء عند المتقدمين (٢)؛ لذلك لا أطيل هنا بسرد الأقوال، وإنما أذكر مرة نبذا منها إضافة إلى ما سبق ذكره في قاعدة العموم.

فمن هؤلاء الأئمة الذين اعتمدوا هذه القاعدة:

١ - عامة الصحابة والتابعين فيما نقله عنهم الإمام الطبري: فبعد أن نقل أقوال بعضهم - كابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم - في تفسير قوله تعالى: {قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ} (٧٠) [البقرة: ٧٠]، بأنهم لو أخذوا أدنى بقرة كما أمرهم الله فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم.

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه - من الصحابة والتابعين والخالفين بعدهم، من قولهم إن بني إسرائيل لو كانوا أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم - من أوضح الدلالة على أن القوم كانوا يرون أن حكم الله، فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، على العموم الظاهر، دون الخصوص الباطن، إلا أن يخص بعض ما عمّه ظاهر التنزيل، كتاب من الله أو رسول الله؛ وأن التنزيل أو الرسول، إن خص بعض ما عمه ظاهر التنزيل بحكم خلاف ما دل عليه الظاهر، فالمخصوص من ذلك خارج من حكم الآية التي عمّت ذلك الجنس خاصة، وسائر حكم الآية على العموم، على نحو ما قد بيناه في كتابنا (كتاب الرسالة) من (لطيف القول في البيان عن أصول الأحكام) في قولنا في العموم والخصوص، وموافقة قولهم في ذلك قولنا ومذهبهم مذهبنا، وتخطئتهم قول القائلين بالخصوص في الأحكام، وشهادتهم على فساد قول من قال: حكم الآية الجائية مجيء العموم على العموم، ما لم يختصّ منها ما عمّته الآية. فإن خص منها بعض، فحكم


(١) كما فعل الرازي في المحصول (١/ ٢١٣/٣)، قال: القسم الرابع من كتاب العموم والخصوص في حمل المطلق على المقيد.
(٢) ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه في كتاب الإيمان ص ٣٧٥، وستلاحظ‍ هذا في كلام الطبري الآتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>